الأحد 15 كانون الأوّل 2019
15 كانون الأول 2019
الأحد 15 كانون الأوّل 2019
العدد 50
أحد الأجداد القدّيسين
اللَّحن الأوّل الإيوثينا الرابعة
* 15: الشَّهيد في الكهنة آلافتاريوس وأمّه أنثيَّا، * 16: النبي حجَّي، ثاوفانو الملكة العجائبيَّة، * 17: النبيّ دانيال والفتية الثَّلاثة، ديونيسيوس أسقف آيينا، * 18: الشَّهيد سابستيانوس ورفقته، موذستس أسقف أورشليم، * 19: الشهيد بونيفاتيوس، أغلائيس الروميَّة، * 20: تقدمة عيد الميلاد، إغناطيوس المتوشّح بالله أسقف أنطاكية مدينة الله العظمى، * 21: الشَّهيدة يولياني وثاميستوكلاوس. * **
الأحد الحادي عشر من لوقا
" أحد الأجداد "
في أحد الأجداد نُقيم تذكار أبينا إبراهيم وجميع أنبياء العهد القديم، لا سيّما الّذين هيّأوا وتنبّأوا بمجيء المسيّا المخلّص.
قرأنا في هذا اليوم من إنجيل لوقا مَثلَ المدعوّين إلى العشاء، الذي قاله الربُّ يسوع وهو يأكل في بيت أحد رؤساء الفرّيسيّين يوم سبت، وكان الفريسيّون "يُراقبونه". وقد قالَهُ ردّاً على قول أحد المتّكئين: "طوبى لمن يأكل خبزاً في ملكوت الله". يقول القدّيس غريغوريوس اللاهوتيّ معلّقًا: "يبدو أنّ هذا الرجل لم يتمكّن من فهم ما تكلّم به المسيح بشكل صحيح، لقد ظنّ أنّ المكافأة للقدّيسين هي مكافأة جسديّة لا روحيّة".
يرى بعض الآباء القدّيسين في صاحبِ الدّعوةِ صورة عن الله "الآب" الذي أرسل ابنه الوحيد، الربّ يسوع المسيح، والذي بحسب الرسول بولس " أخلى نفسه آخذاً صورة عبدٍ صائراً في شبه الناس" (فيلبي 12: 7). تبدو الصورة أوضح في هذا المثل بحسب الإنجيليّ متى (28: 1- 14) إذ يجعل من هذا الإنسان " مَلِكاً صنع عُرساً لابنه " (متى 28: 1). لقد أرسل الله ابنه الوحيد ليدعو شعبه إلى الخلاص.
هذا الإنسان النبيل قد جهّز العشاء وأرسل عبده ليقول للمدعوّين: " تعالوا فإنّ كلّ شيء قد اُعِّد". كلّ شيء جاهز ولا ينقص إلّا حضوركم. قد يتوقّع الإنسان أنّه من الصعب رفض دعوةٍ كهذه، ولكنّ الأمر الغريب أنّ المدعوّين " طَفِقَ كلّهم واحداً فواحد يستعفون". لقد اعتذر الجميع عن الحضور متعلّلين بأسباب وحجج مختلفة، لكنّها من حيث جوهرها هي واحدة. يقول القدّيس باسيليوس الكبير: "لم يستطيعوا المجيء وذلك لأنّ الذهن البشريّ عندما يكون منشغلاً بالاهتمامات العالميّة يُصبح ضعيفاً في الاهتمام بالأمور التي لله".
لقد اختصر الربّ يسوع هذه الاهتمامات البشريّة بما يلي: الأوّل، اشترى حقلاً، والثاني لديه خمسة أزواج بقر يُريد أن يجرِّبها، والثالث تزوّج امرأة وهو لا يستطيع أن يأتي. هذه النماذج الثلاثة تُلخِّص في جوهرها كافة الأعذار والاهتمامات البشريّة.
يقول القدّيس غريغوريوس اللاهوتيّ مفسّرًا: الأوّل الذي اشترى الحقل هو الواقع في هوى حبّ القِنية، كما كان الكتبةُ والفرّيسيّون، إذ كانوا متعلّقين بحقولهم، أي ممتلكاتهم الدنيويّة، لذلك لم يكن لديهم الوقت ولا الرغبة في التفكير في نفوسهم وخلاصها.
والثاني الذي اشترى خمسة أزواج من البقر، هو الإنسانُ الذي انحرفت حواسُّه (وهي خمس) عن هدفها الطبيعيّ بسبب خضوعها للشهوة، لذلك صارت خادمةً للشرّير.
أمّا الثالث الذي تزوّج، فمن الواضح أنّ الهدف ليس إهانة الزواج والذي هو سرّ مُقدّس، ولكن ماذا الذي يجب أن يٌفهم من الزوجة هنا "هو إشباع الشهوات الجسديّة" (غريغوريوس اللاهوتيّ).
يكتب القدّيس يوحنّا الإنجيليّ في رسالته الأولى: "لا تُحبّوا العالم ولا الأشياء التي في العالم، لأنّ كلّ ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العين وتعظّم المعيشة، ليس من الآب بل من العالم". يمكن أن نرى هنا الرابط بين اهتمامات المدعوّين وهذه الأنواع الثلاثة من الشهوات التي يذكرها الإنجيليّ يوحنّا. فالأوّل يمثل شهوة تعظّم المعيشة، أي حبّ اقتناء الممتلكات الدنيويّة، والثاني يمثّل شهوة العين، عندما تنحرف الحواسّ عن هدفها الأصليّ، والثالث يمثّل شهوة الجسد وإشباع رغباتها.
عندما رفض المدعوّون هذه الدعوة، أرسل السيّد عبده قائلاً: " اخرج سريعاً إلى شوارع المدينة وأزقَّتِها وأدخل المساكين والجدع والعميان والعرج إلى ههنا". لقد سبق الربّ يسوع وأعلن للمتّكئين معه قائلاً: إذا صنعتَ ضيافةً فادعُ المساكين والجدع والعميان". " لقد اختار الله جهّال العالم ليخزي الحكماء واختار الضعفاء ليخزي الأقوياء" (1 كور 1: 27- 28).
لقد رفض المدعوّون من نخبة الشعب ومن الفرّيسيّين، والكتبة العارفين بالكتب المقدّسة ورؤساء الكهنة دعوة الربّ يسوع فأصبحت الدعوة موجّهة إلى العشّارين والزناة والخطأة، "إذ إنّ العشّارين والزواني يسبقونكم إلى ملكوت الله " (متى 21: 31 ) وأيضاً " كثيرون أوّلون يكونون آخرين وآخرون أوّلين "(متى 19- 30) وبرغم ذلك عاد العبد ليقول لسيّده: " قد قُضي ما أمرت به ويبقى أيضاً محلّ ". فقال السيّد للعبد: "اخرج إلى الطرق والأسيجة واضطرِرْهم إلى الدخول حتّى يمتلئ البيت".
لقد سكب الله رحمته أيضاً على الوثنيّين، وهذا ما يشير إليه "الذين في الطرق والأسيجة". الطريق يشير هنا إلى طريق حياة الأمم الوثنيّة الذي ضلّوا عن طريق التعليم القويم وقادهم ذلك إلى تعاليم خاطئة. أمّا الأسيجة فتشير هنا إلى حياة الخطيئة التي كانوا يعيشونها لأنّ الخطيئة بمثابة السياج أو الحائط الذي يفصلنا عن الله" (القدّيس باسيليوس الكبير).
يقول السيّد للعبد: "اضطرِرْهم" لا بمعنى الإكراه بل بمعنى الإلحاح، لأنّ رفضَ المدعوّين لم يَثنِ السيّد عن الاستمرار في مشروع عشائه، حتّى ولو أرسل الدعوةَ إلى الّذين هم في الخارج. يقول السيّد في سفر الرؤيا: "هاءنذا واقف على الباب أقرع، إن سمع أحد وفتح الباب أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي" (رؤيا 3: 20).
إنّ الربّ الإله منذ العهد القديم ومروراً بالعهد الجديد إلى يومنا هذا يستخدم طُرُقاً مختلفة ووسائل متعدّدة من أجل دعوة البشريّة إلى الخلاص لأنّه " يُريد الجميع أن يخلصوا وإلى معرفة الحقّ أن يُقبلوا" ( تيموثاوس 2: 4).
إنّ الآية الأخيرة في إنجيل اليوم "لأنّ المدعوّين كثيرون والمختارين قليلون" هي آية مُضافة إلى المقطع الإنجيليّ وهي مأخوذة من (متى 12: 14) وقد أُضيفت إلى المقطع الإنجيليّ حتّى يكتمل معنى النصّ.
لقد رأت الكنيسة المقدّسة في مَثَل هذا العشاء صورة عن الوليمة السماويّة المذكورة في سفر الرؤيا، إذ يقول الملاك للإنجيليّ يوحنّا: "اكتب طوبى للمدعوّين إلى عشاء عرس الخروف" ( رؤ 9: 9) هذه الدعوة السماويّة ليست إلّا سرّ الأفخارستيا المقدّسة، المشاركة في جسد الربّ الطاهر ودمه الكريمين.
هذه الدعوة إلى "وليمة الإيمان" نجد لها صدًى في عظة القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم في الفصح المقدّس، يكتب: "ادخلوا إذاً جميعكم إلى فرح ربّكم، أيّها الأوّلون والأخيرون. أكرموا هذا النهار، المائدة ملآنة فتنعّموا جميعكم. العجل سمين فلا يخرج أحد جائعاً. تمتّعوا جميعكم بوليمة الإيمان".
لقد أرسل الله ابنه الوحيد، كلمة الله المتجسِّدة، الذي بذل حياته على الصليب من أجل خلاص العالم فكان هو "المُقرِّب والمُقرَّب، القابل والمُوَزِّع "، والذي أعطانا جسده الطاهر ودمه الكريم المهراق من أجل حياة العالم. فاليوم "إن سمعتم صوته فلا تقسُّوا قلوبكم" (عبرانيين 3: 15) بل فلنبادر إلى الذي دعانا إلى هذه الوليمة السماويّة حتّى نصير مشاركين الحياة الأبديّة والملكوت المساويّ. آمين.
+ باسيليوس
متروبوليت أوستراليا، نيوزيلندا والفيلبيّن
طروباريَّة القيامة باللَّحن الأوّل
إنّ الحجر لمّا خُتم من اليهود، وجسدك الطاهر حُفِظَ من الجند، قمت في اليوم الثالث أيها المخلِّص، مانحاً العالم الحياة. لذلك، قوّات السماوات هتفوا اليك يا واهب الحياة: المجد لقيامتك أيّها المسيح، المجد لملكك، المجد لتدبيرك يا محبّ البشر وحدك.
طروباريَّة الأجداد باللَّحن الثاني
لقد زكّيت بالإيمان الآباءَ القُدَماءَ، وبِهِمْ سَيَقْتَ فخَطَبْتَ البيعَةَ التي من الأُمم. فليَفْتَخِرِ القدِّيسونَ بالمجد، لأنَّ مِنْ زَرْعِهِم أيْنَعَ ثَمَرٌ حَسِيبٌ، وهو الَّتي وَلدَتْكَ بغيرِ زَرْعٍ. فبتوسُّلاتِهِم أيُّها المسيحُ الإلهُ ارْحَمنَا.
قنداق تقدمة الميلاد باللَّحن الثالث
اليوم العذراء تأتي إلى المغارة لتلد الكلمة الذي قبل الدهور، ولادةً لا تفسّر ولا يُنطق بها. فافرحي أيّتها المسكونة إذا سمعتِ، ومجّدي مع الملائكة والرعاة الذي سيظهر بمشيئته طفلاً جديداً، الإلهَ الذي قبل الدهور.
الرِّسالَة
كول 3: 4-11 (29 بعد العنصرة)
مُباركٌ أنتَ يا ربُّ اله آبائنا
لأنَّكَ عَدلٌ في كلِّ ما صَنَعْتَ بنا
يا إخوةُ، متى ظهرَ المسيحُ الذي هوَ حياتُنا فأنتُمُ أيضًا تَظَهرُون حينئذٍ معهُ في المجد. فأمِيتُوا أعضاءَكم التي على الأرضِ: الزِنَا والنجاسةِ والهوى والشهوةَ الرديئةَ والطمعَ الذي هو عبادةُ وثَن، لأنَّهُ لأجلِ هذه يأتي غَضَبُ اللهِ على أبناءِ العِصْيان، وفي هذه أنتُمُ أيضًا سَلَكْتُمُ حينًا إذ كنتمُ عائشينَ فيها. أمَّا الآن فأنتم أيضًا اطرَحوا الكُلَّ: الغضبَ والسُخْطَ والخُبثَ والتجديفَ والكلامَ القبيحَ من أفواهِكُم. ولا يكذِبْ بعضُكم بعضًا، بل اخلَعُوا الإنسانَ العتيقَ معَ أعمالِه، والبَسوا الإنسانَ الجديد الذي يتجدَّدُ للمعرفةِ على صورةِ خالقِه، حيثُ ليس يونانيٌّ ولا يهوديٌّ، لا خِتانٌ ولا قَلَفٌ، لا بَربريٌّ ولا اسكِيثيٌّ، لا عبدٌ ولا حرٌ، بلِ المسيحُ هو كلُّ شيءٍ وفي الجميع.
الإنجيل
لو 43: 160-24 (لوقا 11)
قالَ الربُّ هذا المثل: إنسانٌ صنعَ عشاءً عظيماً ودعا كثيرين. فأرسل عبدَهُ في ساعة العشاءِ يقول للمَدعوّين: تعَالَوا فإنَّ كلَّ شيءٍ قد أُعِدَّ. فطفِق كُلُّهُم واحدٌ فواحدٌ يستَعْفُون. فقال لهُ الأوَّل: قد اشترَيتُ حقلاً ولا بدَّ لي أن أخرُجَ وأنظرَهُ فأسألك أن تُعفِيَني. وقال الآخرَ: قدِ اشتريتُ خمسةَ فدادين بقرٍ وأنا ماضٍ لأجَرِبَها، فاسألك أن تُعفِيني. وقال الآخر: قد تزوَّجتُ امرأةً، فلذلك لا أستطيع أن أجيء. فأتى العبدُ وأخبرَ سيِّدَهُ بذلك، فحينئذٍ غضِبَ ربُّ البيتِ وقال لعبدِه: أخرُجْ سريعاً إلى شوارع المدينةِ وأزقَّتِها وأدخِلِ المساكينَ والجُدْع والعُميان والعُرجَ إلى ههنا. فقال العبدُ: يا سيّدُ، قد قُضي ما أمرتَ بهِ ويبقى أيضاً محلٌّ. فقال السيّد للعبد: أخْرُجْ إلى الطُّرق والأسيْجَةِ واضطَرِرْهم إلى الدخول حتى يمتلئَ بيتي. فإنّي أقول لكم إنَّه لا يذوقُ عشائي أحدٌ من أولئِكَ الرِّجالِ المدعوّين، لأنَّ المَدعُوّين كثيرون والمختارِين قليلون.
في الإنجيل
كان يسوع يَعظ بأمثال كثيرة من حياة أهل فلسطين اليوميّة. وحين نسمع نحن الشرقيّين مَثل العشاء العظيم نتعاطف مع تصرّف الداعي إلى العشاء، ونتفهّم موقفه الغاضب من الذين رفضوا بحجج كثيرة واهية دعوته إلى وليمة كبيرة والسهر معه. نحن الشرقيّين نحبّ المآدب، ونعشق السهر.
فإن لم يُلبِّ جارنا دعوتنا للعشاء أو للزيارة، نحسبه يريد تغريب ذاته عنا والانزواء، لا بل معاداتنا.
فنتخلّى عن جيرته فنحسبه غير موجود وننبذه، مهما كان عزيزاً، لأنّنا في مجتمعنا نعتبر أنّ المشاركة في الأفراح والأتراح، والمؤازرة في المناسبات الخاصة، وفي الضيقات على أنواعها، من أُسس الحياة عامّةً.
يُجمع مفسّرو الإنجيل على أنّ الربّ يسوع يقصد بالعشاء العظيم القدّاس الالهيّ.
فالقدّاس دعوة إلى وليمة عظيمة تجمع الله (الآب وابنه يسوع المسيح وروحه القدّوس) وسكّان السماء (مريم العذراء والملائكة والقدّيسين) مع أهل الأرض (المؤمنين أعضاء الرعيّة). إذاً في القدّاس يكون الله، الآب والابن والروح، حاضراً.
يكرّمنا الله بحضوره الشخصيّ معنا وفيما بيننا: إنّها وليمة عظيمة.
في أيّة وليمة تُقام يحصل أمران: تبادل الكلام بما في ذلك الآراء والنصائح والحِكَم والأفكار والهموم، وتناول الطعام. أمّا في القدّاس الإلهيّ، فنسمع كلام الربّ: "الحقَّ الحقَّ أَقولُ لَكُم إِنَّ مَنْ يَسمَعُ كَلامي ويُؤمنُ بِالّذي أرسلني تكونُ له الحياةُ الأبديّة، ولا يأتي إلى دينونة، بل قد انتقل من الموت إلى الحياة" (يوحنا 24:5).
فاذًا، نحن نقول: "يا ربّ، إلى مَن نَذهبُ وكلامُ الحياةِ الأبديّةِ عندَك؟!" (يوحنا 68:6).
وأيّ شيء أفضل من سماع صوت الله ينادي في أعماقنا ويصرخ في ضمائرنا؟ والكلام مُتبادل. نسمع كلاماً إلهيّاً، ثمّ نطلب ويُستجاب لنا، كما قال الربّ يسوع: "إن ثبتُّم فيّ وثبتَ كلامي فيكم، تطلبونَ مهما أردتم فكون لكم" (يوحنا 7:15).
وأيضاً نتناول في القدّاس جسد الربّ ودمه الكريمين: "أنا هو الخبز الحيّ النازل من السماء. إن أكل أحدٌ من هذا الخبزِ يحيا إلى الأبد. والخبزُ الّذي أُعطيهِ أنا هو جسدي الّذي أبذلُه مِن أجلِ حياةِ العالَم" (يوحنا 51:6). من هذا الكلام نرى بوضوح أنّ المنفعة الشخصيّة لكلّ منّا تفوق توقّعاتنا.
فالأكل الذي نأكله في أيّة وليمة أخرى تتضمّن أشهى المأكولات وتشبعنا لفترة وجيزة، ومن ثمّ نجوع ثانية، وإذا لم نأكل بعد بضع ساعات نموت. أمّا الوليمة التي يدعونا إليها الربّ فتعطينا الصحّة والغفران والفرح والسلام والحياة الأبديّة!
إذاً الانسان المثقل بالهموم والمشاكل والمُتعب نفسيّا وجسدياًّ، يحاول أن يموّه عن ذاته من خلال مشاركته في عشاء ما، فيسترسل بالشرب والتدخين "للتمويه عن نفسه" وفي محاولة لتناسي ألمه الداخليّ. أ
مّا في القداس فنأخذ حلولاً لكلّ داء ومعضلة، نتناول غذاءَ الروح والجسد، غذاءً لكلّ طاقات الانسان الفكريّة والروحيّة والنفسيّة والجسديّة. كلّ إنسان يتقدّم بإيمان وشوق إلى المناولة يختبر نعمة لا توصف، محبّة الله وتعزيته، فيذوق طعم هذا الفرح الذي لا يوصف، هذه السعادة الحقيقيّة، هذه النشوة الدائمة، هذه اللذّة المُشبِعة! الله يحوّل ألم هذه الحياة إلى فرح ومجد!!!
هكذا، فالله يريد أن نفرّحه بحضورنا. أعدّ الوليمة لتكريمنا، أفلا نحضر؟
هل يا تُرى، إذا دعانا أحد وجهاء هذه الدنيا الباطلة إلى مائدته، أفلا نكون متأهّبين لتلبية دعوته، فخورين بتلبية دعوته الكريمة لنا؟ أمّا الله الذي يدعونا الى وليمته، إلى القدّاس، فهو أرفع مكانة من كلّ وجيه أو زعيم أو رئيس.
لماذا إذاً نتوانى في تلبية دعوته التي يشرّفنا فيها بحضور العذراء مريم والملائكة والقدّيسين؟ ولمَ نتجاهل كلّ الخيرات الشخصيّة التي نحصل عليها من خلال دعوته المحبّة لنا، متعلّلين بأعذار كثيرة ومتنوعة؟
طوبى لكلّ من يلبي دعوة الربّ المجانيّة ويجلس عن يمينه في مأدبته الكريمة مستلذّاً بالخبز السماويّ ومنتعشاً بالخمر المقدّس، "طوبى لمن يتناول الوليمة في ملكوت الله".