الأحد ٣٠ أيلول ٢٠١٨
30 أيلول 2018
الأحد ٣٠ أيلول ٢٠١٨
العدد ٣٩
الأحد الـ ١٨ بعد العنصرة
اللَّحن الأوّل الإيوثينا السابعة
* ٣٠: الشَّهيد غريغوريوس أسقف أرمينية العظمى، الشَّهيد ستراتونيكس، * ١: الرُّسول حنانيا أحد السَّبعين، رومانوس المرنّم، * ٢: الشّهيد في الكهنة كبريانوس، الشّهيدة إيوستينة، * ٣: الشّهيد في الكهنة ديونيسيوس الأريوباغيّ أسقف أثينا، * ٤: إيروثاوس أسقف أثينا، البارّ عمُّون المصريّ، * ٥: الشّهيدة خاريتيني، البارّة ماثوذيَّة، * ٦: الرّسول توما.
" الرّوح المُحيي "
"رَبّي أَعطِهم ما يَتمنَّون لي"، كلمات تُقرأ على الشّاحنات فتُلقي عليك مسؤوليّة أفكارك تجاه السائق؛ ماذا تتمنّى له؟ أو بالأحرى هل تتمنّى لهذا الغريب تلك الأمور التي تشتهي نفسك أن تُعاين؟
في زحمة هذا العالم وعجقة متطلّباته المادّيّة، كلّنا نبحث عن سلامٍ وراحة، عن فرحٍ وهدوء، عن محبّةٍ مجّانيّة لا مصلحة فيها أو تملّق... ومن منّا لا يتمنّى هذه البركات؟!
الرجاء بالبَشر مصدره الإيمان باللّه.
أؤمن بالروح القُدس الربّ المُحيي، أي الصّانع الحياة. فاللّه، في البدء، خَلَق، أي أعطى الحياة؛
وهذه الحياة أرادها أبديّة لخليقته. خَلقَنا على صورته ومثاله لكي نكون معه. وكما هو إله الحياة أرادنا بدورنا أن نُحيي الآخرين: فحين نُعطي الحياة ونَلِدُ أجسادًا، علينا أيضاً أن نَلِدَ نفوسًا تَلهج باللّه ونُحييها.
هنا تكمن مسؤوليّة كلّ إنسانٍ مسيحيّ مُعمّد، صار هيكلاً للرّوح القُدس، ولَبِس المسيح، وعاش بحسب تعاليمه. وهنا، أيضًا، دينونة كلّ أب وأمّ عمّدا أبناءهما:
هل يأخذانهم إلى نبع الحياة الإلهيّة؟ هل يشاركانِهِم كلمة الربّ في القدّاس الإلهيّ وتناوُلَ جسد مخلّصنا يسوع المسيح ودمه؟
"كما تريدون أن يصنع الناس بكم هكذا اصنعوا أنتم بهم":
هذه القاعدة الذهبية طبّقّها الرّبّ أوّلاً وعلّمنا كيف نحياها. أخبرنا عن المحبّة وقال:
"ما من حبًّ أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه فِداءً عن الذين يُحبّ".
وهكذا صنع: تألّم ومات على الصَّليب بالجسد لكي يُقيمنا من الخطيئة.
بدورنا نحن تلاميذه ورسله اليوم علينا أن نُحيي الآخرين بكلمة حياة، بفعل محبّة، بتضحية من أجل الآخرين القريبين منهم والبعيدين.
من منّا لا يريد أن يكون محبوباً؟
من منّا لا يريد أن يكون مخدوماً في حاجته وفي عوزه؟
من منّا لا يخاف أن يكون وحيداً؟
الروح المُحيي هو روحٌ معزٍّ، يُعزّي الذين هم في ضيق. ونحن بهذا الروح علينا أن نعزّي الذين هم بحاجة لتعزية. فلنفرَح مع الفرِحين ونُعَزِّ الحزانى.
حزننا هو بُعدنا عن الله.
فرحنا هو دوماً بالربّ، وإن كانت ظروف الحياة صعبة.
هذه رسالتنا وهذه مسؤوليّتنا:
أن نحبّ، أن نعزّي، أن نُحيي، لتكون لنا به حياة أبديّة.
طروباريَّة القيامة باللَّحن الأوّل
إنّ الحجر لمّا خُتم من اليهود، وجسدَك الطاهر حُفِظَ من الجند، قمتَ في اليوم الثالث أيّها المخلِّص، مانحاً العالـمَ الحياة. لذلك، قوّاتُ السَّمَوات هتفوا إليك يا واهب الحياة: المجدُ لقيامتِك أيّها المسيح، المجدُ لملكِك، المجدُ لتدبيرِك يا محبَّ البشرِ وحدَك.
القنداق باللحن الثاني
يا شفيعَةَ المسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالقِ غيْرَ المرْدودة، لا تُعرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحة، نَحْنُ الصّارخينَ إليكِ بإيمانٍ: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطِّلْبَةِ، يا والدةَ الإلهِ المُتشَفِّعَةَ دائماً بمكرِّميك.
الرِّسالَة٢ كو٦:٩-١١
لتكُنْ يا ربُّ رحمتك علينا كمِثلِ اتّكالنا عليك
ابتهجوا أيُّها الصدِّيقونَ بالربّ
يا إخوةُ، إنَّ مَن يزرعُ شَحيحاً فَشحيحاً أيضًا يحصُدُ، ومَن يزرَعُ بالبَركاتِ فبالبركاتِ أيضًا يحصُد. كلُّ واحدٍ كما نَوى في قلبِه، لا عَنِ ابتِئاسٍ أو اضطرارٍ. فإنَّ الله يُحبُّ المُعطيَ المتهلِّل. واللهُ قادرٌ على أن يَزيدَكم كُلَّ نِعمةٍ حتَّى تكونَ لكم كُلُّ كِفايةٍ كُلَّ حينٍ في كُلِّ شيءٍ فتَزدادوا في كُلِّ عَمَلٍ صالح، على ما وَرَدَ في الكتاب: إنَّهُ بَدَّدَ، أعطى المساكينَ، فَبرُّهُ يدومُ إلى الأبد. والذي يَرزُقُ الزّارعَ زرعاً وخُبزاً للقوتِ يَرزُقُكم زرعَكم ويكثِّره ويَزيدُ غِلالَ برِّكم، فتَستغنُون في كُلِّ شيء لكلِّ سَخاءٍ خالصٍ يُنشئُ شُكراً لله.
الإنجيل
لو ٣١:٦-٣٦ (لوقا ٢)
قال الرّبُّ: كما تريدونَ أن يفعلَ الناسُ بكم كذلكَ افعلوا أنتم بهم. فإنَّكم، إنْ أحببتُم الذين يُحبّونكم فأيَّةُ مِنَّةٍ لكم، فإنَّ الخطأةَ أيضًا يُحبُّون الذين يحبُّونهم. وإذا أحْسنتم إلى الذين يُحسِنون إليكم فأيَّةُ منَّةٍ لكم، فإنَّ الخطاةَ أيضًا هكذا يصنعون. وإن أَقرضْتم الذينَ تَرْجُونَ أن تستَوفُوا منهم فأيَّةُ مِنَّةٍ لكم، فإنَّ الخطاة أيضًا يُقرضونَ الخطأة لكي يستَوفُوا منهم المِثلَ. ولكن، أَحبُّوا أَعداءَكم وأَحسِنوا وأَقرِضوا غيرَ مؤَمِّلين شيئاً فيكونَ أجرُكم كثيراً وتكونوا بني العليّ. فإنَّهُ منعمٌ على غير الشاكرينَ والأشرار. فكونوا رُحماءَ كما أنّ أباكم هو رحيمٌ.
في الإنجيل
هذا الفصل الإنجيليّ من بشارة لوقا الرّسول يتحدّث عن قاعدتَين أساسيّتَين في سلوكنا المسيحيّ كما يريده الرّبّ يسوع منّا.
يتحدّث في القاعدة الأولى عن الاِمتناع عن أذى النّاس:
"ما تريدون أن يفعل النّاس بكم فافعلوه أنتم بهم".
أيّة قاعدة سلوكك مع الناس تنطلق مع نفسك، وما تريده لنفسك عليك أن تتمنّاه للآخرين، وحاول أن تسلك بموجبه معهم.
وهذا يعني أن لا نَشي بأحد، لا نكذب على أحد، لا نسرق، ولا نقتل أحدًا.
أي كلُّ شيء لا نتمنّاه لأنفسنا يجب أن لا نفعله مع الآخرين، لأنّ الآخر هو ابن الله إلى أيّة فئة من الناس انتمى، لأنّ الناس كلّهم، شاؤُوا أم أبَوا، علِموا أم لم يعلَموا، هم أبناء الله، وبالتالي هم إخوة بعضُهم لبعض.
والله يحبّ من يعرف نفسه ابناً له ومن لا يعرف نفسه ابناً له لأنّ هذه هي أخلاق الله.
أمّا القاعدة الثانية التي يتحدّث فيها الرّبّ يسوع عن السلوك المسيحيّ فقد أَوجزها لنا بقوله:
"كونوا رحماء كما أنّ أباكم السماويّ رحيم"، أي طلب منّا الرّحمة التي هي ابنة المحبّة، إذ لا يستطيع الإنسان أن يرحم أخاه الإنسان ما لم يكن محبًّا ويتبادلِ المحبّة مع الجميع ولأنّنا كلّنا واحد في المسيح يسوع، واحد في محبّته وموزّعون في قلوبنا إلى جميع النّاس وما يفصل بيننا هو الله، وبالتالي وحده الحبّ له عندنا كلمة الفصل.
وكما أنّ الله أب رحوم معنا وكلّ من ذاق منّا رحمة الله مدعوّ للتمثّل به لذلك قال لنا:
"كونوا رحماء كما أنّ أباكم هو رحيم".
نحن يجب علينا أن نقبل جميع البشر على رغم ضعفاتهم، وأن نتأنّى ونرفق بهم كي نسمو وإيّاهم إلى رحمة الله ومحبّته اللّامتناهية، لأنّ المحبّة التي هي الله تتأنّى وترفق على حدّ قول الرّسول بولس. آمين.
كيف تتميَّز الكنيسة عن العالم؟ (جزء 1)
ربّما يتساءل البعض:
هل يجب أن تتميَّز الكنيسة عن العالَم، حتّى نطرح السؤال كيف تتميّز الكنيسة عن العالَم؟
باختصارٍ نقول:
في زمنٍ يُحتضَرُ فيه الإنسان وتُحتضَرُ فيه القيم ويُحتضَرُ فيه الإيمان، لا بُدَّ من أن نستيقظ وننهض ونتضامن جميعاً في الكنيسة لنقدِّمَ للعالَم وللإنسان حلًّا لما يتخبَّطُ فيه،
حلًّا ليس من هذا العالَم، لكنّه موجودٌ عندنا في إيماننا، وعلينا فقط أن نعرف كيف نقدِّمه لإنسان اليوم.
هي فرصةٌ كبيرة للكنيسة أن تقول كلمتها حيث فشلَ العالَم المادّيّ في إرواء عطش الإنسان.
لكن من الأكيد أنّه لن تنجحَ الكنيسة في رسالتها ما لم تتميَّز عن العالَم، لأنّها ستتحوَّل، عندها، إلى مؤسّسةٍ روتينيّة تبعثُ المللَ في النفوس، وعلى الأغلب تنتهي بالفشل. وما نراه اليوم من هجران الناس لكنائسهم، هنا وفي الغرب خصوصاً، ليس إلّا دليلاً دامغاً على ما نقول، رغم أنَّ فراغ الكنائس من أبنائها، له أسباب كثيرة وعوامل متداخلة، ومسؤوليّات يتحمَّلها المؤمنون أيضاً، إلّا أنَّ قسماً كبيراً من المسؤوليّة يقع على الكنيسة.
التميُّزُ عن العالم هو سرُّ نجاح الكنيسة أو فشلها، ليكُن هذا الأمرُ واضحاً لنا.
سنفشل حتماً إن استمرَرْنا نفكِّرُ ونسلكُ بحسب فكر أهل هذا العالم ومنطقهم، وإذا استمرَّ روح العالم ينخر في جسم الكنيسة.
يقول الآباء القدّيسون إنَّ أخطر الأمور على الكنيسة هو فكرُ العالَم، أي الفكر الدّهريّ أو الأرضيّ، لأنَّ هذا يقتل الكنيسة التي هي بنت السماء، ورسالتها أن ترفع الإنسان إلى مستوى الألوهة وتجعله ابناً للحياة الحقّة، لا أن تُبقيه لصيق الأرض، ابناً للموت.
يسوع كان يمرُّ بالناس فيشعرون بشيءٍ غريب يميِّزه عن باقي الناس، فكانوا يتبعونه. كان يلفت انتباههم بخصوصيَّة شخصيَّته وفرادتها، إذ لم يكن الرّبّ يسوع شخصاً عاديًّا ولا شخصاً روتينيًّا، وفي كثير من الأمور كان مخالفاً لعصره ومجتمعه، وبالمطلق كان مخالفاً للمنطق الدنيويّ.
ويكفي أن نتذكّر بعض أقواله وتصرّفاته: "إنَّ ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدَم بل ليَخدُم"،
"من أراد أن يكون فيكم أوّلاً فليكن للكلِّ خادماً"، "فاذهبوا واعلموا ما هو أنّي أريد رحمةً لا ذبيحة".
وقد غسلَ أرجلَ تلاميذه، وامتطى بتواضعٍ جحشاً بسيطاً عند دخوله إلى أورشليم، غيرَ آبهٍ لأن يتقدَّمَ في كرامةٍ أو يتصدَّر في رئاسةٍ، كما يرغب أهل هذه الدنيا، وكما هو الفكر الدنيويّ المسيطر للأسف على الكنيسة.
من هنا، وأمام التساؤل الدائم المطروح في الكنيسة، كيف نجذب الناس، وبخاصّة جيل الشباب؟
لا بُدَّ من أن نكون صريحين وأن نعرف أنَّنا، ما لم نتميَّز عن العالَم، فلن نجذب العالَم، وإن استمرَرنا مقلِّدين لأهل هذا الدّهر، فسنخسر أنفسنا والعالم،
وإذا استمرَرنا نقول شيئاً وفي الوقت نفسه نفعل شيئاً آخر فلن يصدّقنا أحدٌ ولن نجذبَ أحداً.
وعندها، مهما أنشأنا من مؤسّسات وبنينا من كنائس وكاتدرائيّات، ومهما عقدنا من مؤتمرات واجتماعات، ومهما قدَّمنا من مواعظ، فلن نكون قادرين على تغيير نفسٍ بشريّةٍ واحدة، ويصحُّ فينا قول الرّبّ: "باطلاً وعبثاً يتعب البنَّاؤون".
نحن، إكليروساً وشعباً، بحاجةٍ إلى انسجامٍ مع أنفسنا ومع إنجيلنا. نحن نعيش ازدواجيّةً في مختلف النواحي الكنسيّة، وعلينا أن نسعى كي يكون كلّ منحًى في الكنيسة، أكان رعائيًّا أم طقسيًّا أم إداريًّا أم ماليًّا أم متعلّقاً بالأوقاف، صدًى لروح الإنجيل. أمّا كيف تتميَّز الكنيسة عن العالَم، فهذا ليس صعباً استنتاجه وإدراكه... (يتبع).
تذكار القدّيس سلوان الآثوسيّ
ولد القدّيس سلوان في روسيا الوسطى عام 1866، وكانت عائلته عامّيّة فلّاحة.
كان إنساناً بسيطاً، قويّ البنية، هاجسُ الإلهيّات لم يغادره منذ الطفولة.
في التاسعة عشرة من عمره احتدّت روح الرّبّ فيه فكان كثير الصلاة يبكي خطاياه. واستمرّ هكذا ثلاثة أشهر، فاتّجه ذهنه، مُذ ذاك، ناحية الرّهبنة، لكنّه انتظر نهاية خدمته العسكريّة.
وصل إلى دير القدّيس بندلايمون في جبل آثوس في خريف 1892. هناك سلَك في الطريقة التي يسلك فيها جميع الرّهبان:
صلوات في القلّاية، صلوات في الكنيسة، أصوام وأسهار، اعترافات، مناولة، قراءة، عمل وطاعة. شهادات الرّهبان عنه كانت طيّبة. خدَم في مطحنة الدّير.
قلّة عرفته معرفة جيّدة، ومن هذه القلّة تلميذه الأرشمندريت صفروني الذي كتب سيرته وجمع أقواله واهتمّ بإبراز قداسة سيرته، إلى أن أعلن المجمع القسطنطينيّ قداسته في تشرين الثّاني عام 1987. جاء في بروتوكول إعلان قداسته الذي صدر عن البطريرك المسكونيّ ديمتريوس والمجمع القسطنطينيّ المقدّس: "تفوّق...
في الفضيلة، جاعلاً نفسه، بالورع وقداسة السيرة، نموذج حياة في المسيح يُحتذى وأيقونة حيّة للفضيلة.... أظهر نفسه معلّماً رسوليًّا ونبويًّا للكنيسة وللمؤمنين. بلغ قامة روحيّة عالية وأضحى إناء للرّوح القدس يمارس محبّة نادرة. شرّفه الله بمواهب شفاء المرضى والمتألّمين وبحدس عجيب..."
كان في صلاته لا يكفّ عن ترداد هذه الكلمات:
"كيف أشكرك، ربّي، على نِعَمك الجزيلة؟! فللجاهل والخاطئ أنت تكشف أسرارك. العالَم يلفّه اليأس وإلى الهلاك يمضي، وأنت تفتح لي أبواب الحياة الأبديّة، أنا، آخِرَ الكلّ وأسوأَ الجميع!
أيّها السيّد ليس في وسعي أن أَخلُص وحيداً فهَبِ العالَمَ كلَّه أن يعرفك!".