الأحد 25 تشرين الثّاني 2018
25 تشرين الثاني 2018
الأحد 25 تشرين الثّاني 2018
العدد 47
الأحد الـ 26 بعد العنصرة
اللَّحن الأوّل الإيوثينا الرّابعة
* 25: وداع عيد الدّخول، كاترينا عروس المسيح، الشّهيد مركوريوس،* 26: البارَّان أليبيوس العموديّ ونيكن المستتيب، البارّ أكاكيوس، * 27: الشّهيد يعقوب الفارسيّ المقطّع، * 28: الشّهيد استفانوس الجديد، الشّهيد إيرينرخُس، * 29: الشّهيدان بارامونوس وفيلومانس، * 30: الرّسول أندراوس المدعوّ أوّلاً، * 1: النّبيّ ناحوم، فيلاريت الرَّحوم. *
ناموس الحرف وناموس الرّوح
تُقدّم رسالة اليوم جوابًا عن سؤال يطرحه من يتعمّق في دراسة تعليم القدّيس بولس عن النّاموس الموسويّ (وصايا ناموسيّة، ذبائح، قوانين طهارة، إلخ.)، الذي كان ينظّم حياة المؤمن قبل المسيح.
فانطلاقًا من تأكيد الرّسول بولس أنّ الناموس قد فشل في تحقيق تبرير الإنسان من خطاياه ومساعدته على الحياة في البرّ والنقاوة بحسب مشيئة الله، "لأنّه كان عاجزًا بسبب الجسد" (رو ٨: ٣)، يسأل المرء عن الدّافع وراء إعطاء الله فرائض النّاموس التي كانت محكومة بالفشل (أنظر رو ٧: ٧-١٣).
"قبل أن يأتي الإيمان"، يجيب الرّسول بولس، "كنّا محروسين تحت النّاموس… إذ كان النّاموس مؤدّبنا إلى المسيح".
كان النّاموس يهدف إلى محاربة شهوات الجسد من خلال وصايا تخاطب واقع الجسد (رو ٧: ٧؛ عب ٧: ١٦).
لم يكن التبرير والتّقديس ليتحقّقا بالنّاموس، بل فقط بتدبير الخلاص الذي قصده الله منذ الدّهور.
كان النّاموس مؤدّبنا إلى أن يأتي المسيح إلهنا ويهبنا التبرير بدمه والتّقديس بروحه السّاكن فينا.
لكن كنّا بحاجة إلى معينٍ، كما يسمّيه القدّيس باسيليوس الكبير، يؤدّبنا، أي يعلّمنا سبل الخير، إلى أن يجيء ملء الزمان. وبعد أن آمنّا بابن الله الذي أحبّنا وبذل نفسه من أجلنا، اعتمدنا في موته، وقمنا معه.
فلم نعد بحاجة إلى مؤدّب كأولاد، إذ سمعنا الحكمة والحقّ من معلّمنا المسيح، وإيماننا به يدفعنا كي نعتمد، فنموت معه عن شهوات الجسد وأهوائه.
يؤكّد الرّسول بولس حقيقةَ النضوج والتغيير اللّذين حصلا لنا، يقول: "أنتم الذين في المسيح اعتمدتم، المسيح قد لبستم".
إنّ المعنى الحرفيّ لفعل "عمّد" هو "غطّس"، وبمعناه اللّاهوتيّ التقنيّ يعني، مجازًا، التغطيس في المسيح، حين يتمّ حسّيًّا التغطيس في الماء.
اعتمد في المسيح أي زُرع في الشركة مع ابن الله. يتوسّع الرّسول في شرح المعموديّة في رومية ٦.
يعتمد المؤمن في موت المسيح، أي يموت موتًا مشابهًا لموته فيتّحد بصليب المسيح سبيلاً إلى القيامة.
فينال "روح الابن" الذي ينزع عنه الإنسان الجسدانيّ ويُلبسه المسيح، واهبًا إيّاه مبدأ الحياة بالرّوح.
بالإيمان بابن الله يتحوّل المؤمن المعتمد عن فكر الجسد وأهوائه، وكإنسانٍ روحيّ يضع نصب عينيه شهوة ثمار الرّوح.
لا يحتاج الذين لبسوا المسيح يسوع، بعد الآن، إلى مؤدّب، لأنّهم صلبوا الجسد مع شهواته الخاطئة، التي قصدت وصايا النّاموس محاربتها، وفشلت…
هم الآن في الرّوح، يرشدهم ناموس الإيمان (رومية ٣: ٢٧)، ناموس الرّوح (رومية ٨: ٢)، ناموس المسيح (غلاطية ٦: ٢) الذي يوصي بالمحبّة التي لا تفعل أيّ سوء.
هم أبناء يعون دعوتهم ومسؤوليّتهم، وقبل كلّ شيء النعمةَ التي هم واقفون فيها الآن، ولذا ينبذون فكر الجسد طوعًا، ويسعون وراء البرّ والقداسة لكي يثمروا لله فيَحيَون.
الأرشمندريت يعقوب خليل
معهد القدّيس يوحنّا الدّمشقيّ اللّاهوتيّ
طروباريَّة القيامة باللَّحن الأوّل
إنّ الحجر لمّا خُتم من اليهود، وجسدك الطّاهر حُفِظَ من الجند، قمتَ في اليوم الثّالث أيّها المخلِّص، مانحاً العالَمَ الحياة. لذلك، قوّات السّماوات هتفوا إليك يا واهب الحياة: المجدُ لقيامتك أيّها المسيح، المجد لملكك، المجد لتدبيرك يا محبَّ البشرِ وحدَك.
طروباريّة القدّيسة كاترينا باللّحن الخامس
لنمدحْ عروسَ المسيح الكلّيّة المديح كاترينا الإلهيّة حافظةَ سينا، التي هي عونُنا وسنَدُنا، لأنّها بقوّة الرّوح قد أفحمتْ نبلاء المنافقين ببهاء، والآن، إذ كُلّلت كشهيدة، فهي تستمدّ للجميع الرّحمة العظمى.
طروباريّة دخول السيّدة إلى الهيكل باللَّحن الرّابع
اليومَ العذراءُ التي هي مقدِّمة مسرَّة الله وابتداءُ الكرازة بخلاص البشر، قد ظهرَت في هيكل الله علانية، وسبقت مبشِّرةً الجميعَ بالمسيح. فلنهتفْ نحوها بصوت عظيم قائلين: إفرحي يا كمال تدبير الخالق.
قنداق دخول السيّدة إلى الهيكل باللَّحن الرّابع
إنّ الهيكلَ الكلّيّ النَّقاوة، هيكلَ المخلّص، البتولَ الخِدْرَ الجزيلَ الثَّمن، والكَنْزَ الطاهرَ لْمجدِ الله، اليومَ تَدْخُلُ إلى بيتِ الرَّبِّ، وتُدخِلُ معَها النِّعمةَ التي بالرّوحِ الإلهيّ. فَلْتسَبِّحْها ملائكةُ الله، لأنّها هي المِظلَّةُ السَّماويّة.
قنداق تقدمة الميلاد باللّحن الثالث
أليومَ العذراء تأتي إلى المغارة لتلدَ الكلمةَ الذي قبل الدهور ولادةً لا تفسَّر ولا يُنطقُ بها. فافرحي أيّتها المسكونةُ إذا سمعتِ، ومجّدي مع الملائكة والرُّعاة الذي سيظهرُ بمشيئته طفلاً جديداً، الإلهَ الذي قبل الدهور.
الرِّسالَة
غلا 3: 23-29، 4: 1-5
عجيبٌ هو الله في قدّيسيه، في المجامع بارِكوا الله
يا إخوةُ، قبلَ أن يأتيَ الإيمانُ كنَّا محفوظين تحتَ النّاموس مُغلقًا علينا إلى الإيمان الذي كان مزمَعاً إعلانُه؛ فالنّاموسُ إذَنْ كانَ مؤدِّبًا لنا يُرشِدُنا إلى المسيحِ لكي نُبرَّرَ بالإيمان. فبعدَ أن جاءَ الإيمانُ لسنا بَعدُ تحتَ مؤدِّبٍ لأنَّ جميعَكم أبناءُ الله بالإيمان بالمسيحِ يسوع، لأنَّكم أنتمُ كُلَّكم الذينَ اعتمدتُم في المسيحِ قد لبِستُم المسيح. ليسَ يهوديٌّ ولا يونانيُّ. ليسَ عبدٌ ولا حُرٌّ. ليس ذكرٌ ولا أنثى. لأنَّكم جميعَكم واحِدٌ في المسيح يسوع. فإذا كنتمُ للمسيح فأنتم إذَنْ نسلُ إبراهيمَ وورَثَةٌ بحسَبِ الموعِد. وأقولُ إنَّ الوارِثَ ما دامَ طِفلاً فلا فَرقَ بينَهُ وبين العبدِ، مَعَ كونِهِ مالكَ الجميع، لكنَّهُ تحتَ أيدي الأوصياءِ والوكلاءِ إلى الوقتِ الذي أَجَّلهُ الآب. هكذا نحنُ أيضًا حينَ كُنَّا أطفالاً كنَّا مستعبَدين تحتَ أركانِ العالَم. فلمَّا حانَ مِلءُ الزّمانِ أرسَلَ اللهُ ابنَهُ مولوداً من اِمرأةٍ، مولوداً تحتَ النّاموس، ليفتدي الذين تحتَ النّاموس، لننالَ التّبنّي.
الإنجيل
لو 18: 18-27 (لوقا 13)
في ذلك الزّمان دنا إلى يسوعَ إنسانٌ مجرِّبًا إيّاهُ وقائلاً: أيُّها المعلّم الصالح، ماذا أعمَلُ لأرثَ الحياةَ الأبدَّية؟ فقال لهُ يسوع: لماذا تدعوني صالحاً وما صالحٌ إلَّا واحدٌ وهو الله. إنّك تعرِفُ الوصايا: لا تزنِ، لا تقتُل، لا تسرق، لا تشهد بالزُّور، أكرِمْ أباك وأمَّك. فقال: كلُّ هذه قَدْ حفِظْتُها منذُ صبائي. فلمَّا سمِعَ يسوعُ ذلك قال لهُ: واحدةٌ تُعوِزُك بعدُ. بِعْ كلَّ شيءٍ لك وَوَزِّعْهُ على المساكينِ فيكونَ لك كنزٌ في السماءِ، وتعالَ اتبعْني. فلمَّا سمع ذلك حزِن لأنَّه كان غنيًّا جدًّا. فلمَّا رآه يسوعُ قد حزِن قال: ما أعسَرَ على ذوي الأموال أن يدخلوا ملكوتَ الله! إنَّهُ لأسهلُ أن يدخُلَ الجَمَلُ في ثَقب الإبرَةِ من أنْ يدْخُلَ غنيٌّ ملكوتَ الله. فقال السّامِعون: فمن يستطيع إذنْ أنْ يَخلُص؟ فقال: ما لا يُستطاعُ عند الناسِ مُستطاعٌ عند الله.
في الإنجيل
إحدى غايات هذا النّصّ الإنجيليّ هي أن يقول لنا إنّ ارتباط القلب بثروة هذا العالَم يحرمنا من العبور مع السّيّد من الباب الضيّق.
فالغنى في ذاته، كأي شيء آخر، ليس شرًّا، إنّما عندما تتعلّق به النّفس يبعدها عن مخلّصها.
قد يكون الشّابّ الغنيّ قد أحسّ بالجوع والعطش إلى الحياة الأبديّة فعلاً، فركض ليسأل السّيّد "أيّها المعلّم الصالح ماذا أعمل لأرث الحياة الأبديّة؟".
إنّ السّيّد، في جوابه، لم ينفِ عن نفسه الصّلاح لأنّه أصلاً هو دعا نفسه الرّاعي الصّالح في مكان آخر، لكنّه رفض التّفخيم الذي اعتاد اليهود أن يستعملوه.
فبحسب القدّيس أمبروسيوس أن الشّابّ كان يقصد الصّلاح الجزئيّ لا المطلَق، أي صلاح الإنسان لا صلاح الله، لأنّه لا يعترف بأنّ السّيّد هو الله.
السّيّد وجّه الشّابّ نحو الوصيّة الإلهيّة كمصدر للتمتّع بالحياة الأبديّة.
يقول القدّيس مرقس النّاسك إنّ السّيّد المسيح نفسه يختفي في الوصيّة، فمَن يمارسها عمليًّا يكشفه داخلها. ب
معنى آخر، إن كانت الحياة الأبديّة هي التمتّع بالمسيح أي "الحياة" عينها، فإنّنا نلتقي به عمليًّا متى آمنّا به خلال دخولنا إلى أعماق الوصيّة لنجد أنّه هو سرّ تقديسنا ونقاوتنا وحياتنا.
لكنّ الوصيّة لا تقف عند ما قدّمه موسى، بل تكتمل بالصّليب. لهذا قدّم السّيّد للشّابّ الوصيّةَ التي توصله إلى الكمال: "اذهب بعْ كلّ مالك، وأعطِ الفقراء، فيكونَ لك كنز في السماء، وتعالَ اتبعني حاملًا الصّليب".
هذه الوصيّة الإلهيّة أوقفت الشّابّ لأنّ محبّته للمال تحرمه من اتّباع المسيح، لأنّها تربطه بالتراب.
تَراجُع الشّابّ سبّب الألم للمسيح الذي رأى إنساناً، بدل أن يستعمل المال، استُعبد له؛ لهذا عبّر واصفاً صعوبة دخول ذوي الأموال إلى ملكوت الله معتبراً مرور الجمل من ثقب إبرة أكثر يسراً.
لقد كشف السّيّد أنّ العيب ليس في الغنى إنّما في القلب المتّكل على المال.
في التفسير الرّمزيّ أنّ الجمل يشير إلى الأمم فيما ثقب الإبرة يشير إلى الطريق الضيّق، لهذا معنى قول السّيّد هو أنّ دخول الأمم أيسر من دخول الأمّة اليهوديّة، وهي الغنيّة بالنّاموس والآباء والأنبياء والوعود.
لكنّ الرّبّ لا يترك مَن يريد أن يتعلّم لليأس، لذا يؤكّد أنّ ما يعجز الناس عنه يستطيعه الله. فهو يحوّل الغنى إلى خير.
لماذا تقرأ الكنيسة هذه الحادثة في الأحد الثّالث عشر من لوقا، أي قرب بَدء صوم الميلاد؟
لأنّها تريد أن تقول لنا إنّ الاستعداد للميلاد يكون بالتّواضع لا بالغنى، وبعَمَل المحبّة لا بادّخار المال. هذا الترتيب وضعته الكنيسة منذ زمن طويل، وهو يدلّ على وجهها النبويّ، وكأنّها عرفت، منذ البَداءة، أنّه سوف يأتي يوم تقع فيه فترة الاستعداد للميلاد تحت سلطة بابا نويل وجشع أصحاب المحلّات والأسواق الذين يحوّلونها إلى معارض للإغراءات تطحن الفقراء، كما وانشغالِ المسيحيّين بالتّحضير للعيد وحفلاته ومعارضه بشكل يُفرِغ العيد من كلّ معانيه السماويّة والأرضيّة.
إنّ هذه القراءة تقول لنا: لا يكونَنَّ المال حاجزاً بين المسيحيّ ومسيحه. مَن معه فليوزّع ويتبع المسيح.
منطق الإستقلاليّّة في الكنيسة تجديف ضدّ الرّوح
تعصف في الكنيسة اليوم رياح مضادّة تركّز على فكرة "الاِستقلاليّة" واقعةً بذلك تحت تأثير منطق الفرديّة الذي أتانا به فكر غربيّ (علمًا أنّ في الغرب مدارس فكريّة مناهضة لهذا التوجّه أيضًا)، يركّز على الفرد كغاية في حدّ ذاته وليس كشخص في تواصل مع المجموعة وضمنها.
لا ينطبق منطق الاستقلاليّة هذا كنسيًّا على الأشخاص فقط بل نراه اليوم ينسحب أيضًا على الجمعيّات، والمؤسّسات، والرّعايا، والأبرشيّات، وحتّى الكنائس المستقلّة.
يمكن أن ننطلق، في رفض هذا المنطق، من رسالة بولس الرّسول الذي يجعل فيها من كلّ مؤمن عضوًا في جسد المسيح، ولكلّ مقوّمة فيه دورها، وخصائصها، وموهبتها في خدمة الجماعة الكنسيّة.
وهذا الكلام صحيح في علاقة الشخص مع المؤمنين في رعيّته، وعلاقة الرّعيّة مع باقي الرّعايا تحت إمامة الأسقف، وعلاقة الأبرشيّة مع باقي الأبرشيّات تحت إمامة البطريرك. ألَم يقل الرّسول:
"من يحزن ولا أحزن أنا"؟! هذا الرّباط رابط عضويّ وليس رباطًا اختياريًّا لك أن تقبله أو ترفضه، لأنّه مرتبط بجسد المسيح وبخدمة هذا الجسد الخلاصيّة للعالَم.
يتعدّى الأمر القرار الشخصيّ ليصبّ فقط في صلب عمل الرّوح في الكنيسة. أن يكون لكلّ موقعٍ دورُه وتنظيمٌ مناسبٌ لصلاحيّاته وعمله، هو من "اللّياقة والترتيب".
أمّا أن نتكلّم على أيّة استقلاليّة وكأنّها غير قابلة للنّقاش فهذا مناهض لمنطق الجسد الواحد، ومنطق المواهب، ومنطق عمل الرّوح في الكنيسة بشكل أسراريّ.
في الكنيسة لا مجال للمنطق الإداريّ إلّا بقدر ما يخدم هدف وجود الكنيسة في العالَم. سبقت التّوطئة للوضعيّة التي أقرّتها المجامع المسكونيّة والمحلّيّة.
توضح هذه التّوطئة سبب وضعها حتى لا نعتبرها مُنْزلة وأبديّة. فقط ما له علاقة بالإيمان، وقد نصّ عليه دستور الإيمان، غير قابل للنّقاش.
كلّ ما عدا ذلك تراكم خبرات يمكن أن تصحّ هنا ولا تصحّ هناك. استرجاع هذا القول أو ذاك، لأب من آباء الكنيسة، وبشأن إداريّ خاصّة، لا يلزم الكنيسة لأنّه لا يلزم الرّوح كونه لا يتعلّق في صلب الإيمان.
وعندما يتكلّم سفر الرؤيا موبّخًا بعض الأساقفة، يَذْكُر "ما يقوله الرّوح للكنائس" بالجمع وليس بالمفرد.
لذلك، مهما أردنا أن ندعم منطق الاِستقلاليّة بفكرة أو بأخرى، يبقى هو تجديفًا ضدّ الرّوح لأنّ من شأنه أن يحجّم حضور الرّوح إلى رأي، أو عمل، أو توجّهّات أفراد.
ألم يقل بطرس الرّسول، عند انتهاء مجمع الرّسل في أورشليم: "... لأنّه قد رأى الرّوح القدس ونحن..."؟ (أع ١٥: ٢٨).
وإذا ما عدنا إلى بعض النّصوص التّعليميّة في كنيستنا، والتي ترد كثيرًا في اللّيتورجيا، نجد مثلاً أنْ في تراتيل غروب "عيد الرّوح القدس" تحتفل "الأمم كافّة" بحلول الرّوح القدس عليها لأنّه هو الذي يعطيها، كجماعة، أن تعمل، وتشهد، وتسجد بشكل واحد ومنتظم للثّالوث الكلّيّ قدسه.
فالتناغم ضمن الجماعة هو ضمانة مصداقيّتنا، وكلّ ادّعاء بأنّ أحدًا هو وحده حامل لواء الحقّ هو تجديف ضدّ الرّوح.
وهذا صحيح بالمطلق لأنّ الروح القدس يتجلّى في كلّ شأن تهتمّ به الكنيسة والقيّمون فيها على حسن تدبير شؤونها، لأنّ الفصل بين الأمور في الكنيسة (ما هو إداريّ مثلاً وما هو روحيّ) هو فصل اصطناعيّ يذهب ضد سرّ التجسّد الإلهيّ.
مثل آخر من اللّيتورجيا هو الترتيلة التي ننهي بها سحر الآباء المجتمعين في المجامع. فالكلام كلّه هو بالجمع رغم أنّنا نعرف تمامًا من هم المتكلّمون والمدافعون عن العقيدة أثناء أعمال المجامع.
هم مجتمعون كواكب في الجلد العقليّ، وأسوار منيعة لأورشليم العلويّة، وجنود معسكر الرّبّ. ولو تكلّم الرّوح بلسان أحدهم، لكنّ الجماعة وحدها تعطي للكلام ختم الأصالة الكنسيّة.
هذا التجديف ضدّ الرّوح يتجلّى أيضًا بالسلطويّة التي ترافق منطق الاستقلاليّة. فالاستقلاليّة الفرديّة تؤدّي إلى التّعالي على الآخر ورفضه.
والاستقلاليّة على مستوى الرّعيّة تؤدّي إلى ضعف وتضعضع في الأبرشيّة الواحدة وغياب لتخطيط هادف على صعيد الخدمة.
والاستقلاليّة على مستوى الأبرشيّة تؤدّي إلى تغييب منطق الشهادة، والخدمة، والحضور الكنسيّ في عالَم نحن مدعوّون إلى رفعه لله في اليوم الأخير. والاستقلاليّة على مستوى الكراسي المستقلّة تؤدّي إلى منطق "بابويّ" طالما جاهدنا في الأرثوذكسيّة لرفضه. ا
لاستقلاليّة قاتِلة للمطالِب بها قبل أن تكون ضارّة على الصّعيد العامّ. من يطالب اليوم بالاستقلاليّة إنّما يطالب بها لمجد لنفسه، أو لرعيّته، أو لأبرشيّته، أو لكنيسته، وذلك على حساب وحدة جسد الكنيسة، وعمل الرّوح بواسطة الجميع.
في كثير من الأحيان السكوت اليوم عن منطق الاستقلاليّة هو مراعاة لمنطق أهل هذا الدهر الذين يرون في المنصب، أو القوّة، أو المال، سبب انتفاخ للأفراد.
هذا السكوت، وفي بعض الأحيان التشجيع على المضيّ بمنطق الاستقلاليّة، إنّما هو لغايات قصيرة النظر، ولو ألبسناها هنا وهنالك ثوبًا نظريًّا لا يلبث أن تنكشف هشاشته عند فحصه وفق قول الرّسول "أمّا نحن فلنا فكر المسيح".
هل لبسنا المسيح في المعموديّة عبثًا؟
هل أسرارنا مجرّد عمليّات سحريّة؟
هل كلامنا على المحبّةالمُطالب بالاِستقلاليّة مُنكِرٌ للمسيح ومجدّف ضدّ الرّوح.
فأَعطنا يا الله ما يلزمنا من تواضع حتّى نبقى، دومًا وأبدًا، شهودًا لكلمتك صارخين: "لا لنا يا ربّ لا لنا، بل لاسمك أعط المجد".
أخبارنا
معرض الميلاد
برعاية صاحب السيّادة المتروبوليت أفرام (كرياكوس) مطران طرابلس والكورة وتوابعهما للرّوم الأرثوذكس ومباركته، وبمبادرة خيّرة من السيّدة مايا حبيب حافظ رئيسة مؤسّسة الطوارئ، وبمساعدة جمعيّة "SOS chrétiens d’orient" الفرنسيّة، يقام المعرض الميلاديّ الأوّل في مقرّ المطرانيّة في طرابلس.
يفتتح المعرض يوم السبت في 15 كانون الأوّل 2018 الساعة الخامسة مساءً ويستمرّ لغاية 23 منه، كلّ يوم من الساعة الثالثة بعد الظهر ولغاية الساعة التاسعة مساءً، تحت عنوان "Charity Christmas Market". يتضمّن المعرض أعمالاً حرفيّة، زينة ميلاديّة، أيقونات وكتبًا دينيّة، مونة بلديّة، مأكولات وغيرها.
يعود ريع المعرض للعمل الإجتماعيّ ولدعم العائلات المحتاجة ومساعدتها، لبلسمة جرح أيّ أخ لنا.
نتمنّى لكم زمناً ميلاديًّا مباركاً مليئاً بالمحبّة والسلام والخير.
ملاحظة: الدّخول إلى المعرض من باب المطرانيّة جانب طوارئ مستشفى النّيني.