الأحد 25 شباط 2018
25 شباط 2018
الأحد 25 شباط 2018
العدد 8
الأحد الأوّل من الصّوم
اللّحن الخامس الإيوثينا الخامسة
* 25: أحد الأرثوذكسيّة، طاراسيوس رئيس أساقفة القسطنطينيّة، * 26: بورفيريوس أسقف غزّة، فوتيني السامريّة، البارّ ثاوكليتس، * 27: بروكوبيوس البانياسيّ المعترف، ثلالاوس السوريّ، * 28: باسيليوس المعترف، البارّ كاسيانوس الرومانيّ، البارّتان كيرا ومارانا، * 1: البارّة في الشهيدات أفذوكيَّا، البارَّة دومنينا، * 2: الشّهيد إيسيخيوس، المديح الثاني، * 3: الشّهداء افتروبيوس وكلاونيكس وباسيليسكس، *
" كنت سجيناً فزُرتموني"
ونحن بعد خطأة "سَبَقَ اللهُ فنظر لنا شيئاً أفضل"؛ تجسّد وقَبِلَ الصليب طوعاً لأجل خلاصنا؛ قام من بين الأموات وأقامنا معه في مجده، صعد إلى السموات وأجلس طبيعتنا عن يمين الآب.
هو يريدنا معه في كلّ حين، لكنّنا سجناء أهوائنا وضعفاتنا. نُبرّر خطايانا فننسبها إلى مطبّات الحياة اليوميّة ومصاعبها، وإلى مجتمعنا المادّيّ ومتطلّباته الكثيرة.
ولكنّ الإساءة تكون في وضع المسيح ومسيحيّتنا في سجن أهوائنا والإغلاق عليه باسم الاِنفتاح. نضعه في قبر وهو دائماً حيّ، نريده على مقياس ضعفاتنا البشريّة التي تتخبّط في داخلنا، يُريدنا أن نزوره في سجن وضعناه فيه، فنقول "متى رأيناك يا ربّ سجيناً"؟
الجواب يأتي عندما نتوب، حينها نَعي فظاعة أفعالنا، ونعمل على إخراجه من هذا السجن حتّى يغيّر حياتنا، نصرخ مع القدّيس أفرام السريانيّ "أعتقني من روح البطالة والفضول وحبّ الرئاسة والكلام البطّال"، ونسعى أن تستقيم حياتنا.
الاِستقامة هي غلبة الحياة على الموت. أحد الأرثوذكسيّة هي انتصار الحقّ على الباطل. ليس هوانتصارَ جماعة على أخرى، هو أحد الأرثوذكسيّة، وليس أحد الأرثوذكسيّين كفئة أو طائفة وحسب. هو يوم الربّ أوّلاً، ومعه كلّ إنسان حمل صليبه بفرح وتواضع، باستقامة إيمان وثبات.
فإذا ظننّا أنّنا أفضل من غيرنا نكون قد عدنا إلى فرّيسيّتنا، وإذا ظننّا أنّ لنا حقَّ ميراث الحياة الأبديّة صرنا أبناءً ضالّين. دينونتنا تكمن في الحقّ: "نعرف الحقّ، والحقّ يحرّرنا" ولنا به حياة أبديّة.
آباؤنا القدّيسون عاشوا كلمة الله في حياتهم، جعلوا الرّبّ نُصب أعينهم، طلبوا ملكوت الله وبرّه أوّلاً. هم فهموا كيف نحيا مشيئة الله، فوضعوا لنا طريقاً مستقيماً؛ استناروا بنعمة الروح القدس وأظهروا لنا خطًّا مباشراً بين الأرض والسماء: المسافة الأقصر- Le chemin le plus court.
الأرثوذكسيّة هي استقامة الإيمان، منها نستشفّ استقامة العيش، والسلوك، والفرح بالرّبّ دائماً رغم المصاعب. نخاطب المُخلّص مصلّين في قلوبنا: "ربّي يسوع المسيح، يا ابن الله الحيّ، ارحمني أنا عبدك الخاطئ". وإذ نطلب إليه الرّحمة "ينعم علينا بروح العفّة واتّضاع الفكر والصبر والمحبّة".
طروباريّة القيامة باللّحن الخامس
لنسبِّحْ نحن المؤمنينَ ونسجدْ للكلمة المساوي للآبِ والرّوح في الأزليّة وعدمِ الاِبتداء، المولودِ من العذراءِ لخلاصنا. لأنّه سُرَّ بالجسد أن يعلوَ على الصليبِ ويحتملَ الموت، ويُنهِضَ الموتى بقيامتِهِ المجيدة.
طروباريّة أحد الأرثوذكسيّة باللّحن الثاني
لصورتِكَ الطاهرة نسجدُ أيّها الصالح، طالبينَ غُفرانَ الخطايا أيُّها المسيحُ إلهنا. لأنّكَ سُررتَ أن ترتفعَ بالجسدِ على الصَّليبِ طَوعًا، لتُنجّيَ الذينَ خَلَقْتَ مِنْ عُبوديَّةِ العَدُوّ. فلذلك نهتِفُ إليكَ بشُكر: لقد ملأتَ الكُلَّ فَرَحًا يا مُخلِّصَنا، إذ أتيتَ لِتُخَلِّصَ العالم.
القنداق باللّحن الثامن
إنّي أنا عبدُكِ يا والدةَ الإله، أكتبُ لكِ راياتِ الغَلَبة يا جُنديَّةً محامية، وأُقَدِّمُ لكِ الشُّكرَ كمُنقِذةٍ مِنَ الشَّدائد. لكنْ، بما أنَّ لكِ العِزَّة التي لا تُحارَب، أَعتقيني من صُنوفِ الشَّدائد، حتّى أصرُخَ إليكِ: إفرحي يا عروسًا لا عروسَ لها.
الرِّسالة
عب 11: 24-26، 32-40
مبارَكٌ أنتَ يا رَبُّ إلهَ آبائنا
لأنَكَ عَدْلٌ في كلِّ ما صنعتَ بِنا
يا إخوة، بالإيمان مُوسى لمّا كَبُرَ أبى أن يُدعى ابنّا لابنةِ فِرعَون، مختاراً الشَّقاءَ مع شعبِ اللهِ على التَّمَتّع الوقتيّ بالخطيئة، ومعتبراً عارَ المسيحِ غنىً أعظمَ من كنوزِ مِصرَ، لأنّه نظر إلى الثَّواب. وماذا أقولُ أيضاً؟ إنّه يَضيقُ بِيَ الوقتُ إنْ أخبرتُ عن جِدعَونَ وباراقَ وشَمشونَ ويَفتاحَ وداودَ وصموئيلَ والأنبياء، الذين بالإيمانِ قَهَروا الممالكَ وعمِلوا البِرَّ ونالُوا المواعدَ، وسَدُّوا أفواهَ الأسود، وأطفأُوا حِدَّة النارِ، ونجَوا من حَدِّ السَّيف، وتقوَّوا من ضَعفٍ، وصاروا أشِدّاءَ في الحربِ، وكسروا معسكَراتِ الأجانب. وأخَذَتْ نِساءٌ أمواتَهُنَّ بالقيامة. وعُذِّبَ آخَرون بتوتير الأعضاء والضَّرب، ولم يقبلوا بالنجاة ليحصُلوا على قيامةٍ أفضل. وآخَرون ذاقوا الهُزْءَ والجَلْدَ والقُيودَ أيضّا والسِّجن. ورُجِموا ونُشِروا وامتُحِنوا، وماتوا بِحَدِّ السَّيف. وساحُوا في جُلودِ غَنَمٍ ومَعزٍ، وهم مُعْوَزونَ مُضايَقونَ مَجهودون (ولم يَكُنِ العالمُ مستحقًّا لهم). وكانوا تائهين في البراري والجبالِ والمغاور وكهوف الأرض. فهؤلاءِ كُلُّهم، مشهوداً لهم بالإيمانِ، لم ينالُوا الموعد، لأنّ الله سبقَ فنظر لنا شيئاً أفضلَ، أن لا يُكمَلوا بدونِنا.
الإنجيل
يو 1: 43-51
في ذلك الزمان، أراد يسوعُ الخروجَ إلى الجليل، فوجد فيلبُّسَ فقال له: "اتبَعْني". وكان فيلِبُّسُ من بيتَ صيدا من مدينةِ أندراوسَ وبطرس. فوجد فيلِبُّسُ نثنائيلَ فقال له: "إنّ الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياءِ قد وجدناه، وهو يسوعُ بنُ يوسُفَ الذي من الناصرة". فقال له نثنائيلُ: أَمِنَ الناصرةِ يمكنُ أن يكونَ شيءٌ صالح؟! فقال له فيلِبُّسُ: "تعالَ وانظر". فرأى يسوعُ نَثَنائيلَ مُقبلاً إليه، فقال عنه: "هُوَذا إسرائيليٌّ حقًّا لا غِشَّ فيه". فقال له نثنائيلُ: "مِنْ أين تعرفُني؟ أجاب يسوعُ وقال له: "قبلَ أن يدعوَكَ فيلِبُّسُ وأنتَ تحت التينةِ رأيتُك". أجاب نثنائيلُ وقال له: "يا معلِّمُ، أنتَ ابنُ اللهِ، أنتَ مَلِكُ إسرائيل". أجاب يسوعُ وقال له: "لأنّي قلتُ لكَ إنّي رأيتُكَ تحت التينةِ آمنت. إنّك ستُعاينُ أعظمَ من هذا". وقال له: "الحقَّ الحقَّ أقول لكم: إنّكم من الآنَ تَرَونَ السَّماءَ مفتوحةً، وملائكةَ اللهِ يصعدون وينـزلون على ابنِ البشر".
في الإنجيل
بنعمة الرّبّ قد دخلنا في زمن مبارك، هو زمن الصّوم الأربعينيّ المقدّس، الموسم الذي فيه تزهر نفوسنا بالفضائل المسيحيّة، ونتدرَّج في اكتسابها، لنصل، في نهايته، محضَّرين ومستعدّين روحيًّا للمشاركة في آلام الرّبّ يسوع، ونتذوّق حلاوة قيامته، ونقوم بقيامته المجيدة من سقطاتنا، مطهَّرين من آثامنا، لأنّه افتدانا بدمه الكريم، منقذاً إيّانا من الخطايا والآلام والموت.
والأحد الأوّل من الصوم يسمّى أحد استقامة الرأي، أو أحد الأرثوذكسيّة، لأنّ العقيدة الأرثوذكسيّة قد انتصرت، وخاصّة في ما يتعلّق بتكريم الأيقونات المقدّسة، ولذا نقيم زيّاحاً لها في هذا اليوم ، ونقبّلها ، لننال بركة مَن كُتب عليها.
الإنجيل المقدّس الذي تُلي على مسامعنا اليوم، يروي لنا تفاصيل دعوة كلّ من الرّسولين فيليبّس ونثنائيل، بعدما دعا السيّد أنداروس وأخاه بطرس، وقد انضمَّوا جميعاً إلى الرّبّ يسوع.
لقد لبّى فيليبّس دعوة الرّبّ يسوع عندما قال له اتبعني، فتبعه، وأخبر نثنائيل وقال له: إنّ الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء قد وجدناه، وهو يسوع بن يوسف الذي من الناصرة. ونادى نثنائيل قائلاً: "تعالَ وانظر"، فأتى ونظر يسوع، وقال له: "يا معلّم أنت ابن الله".
هذا الإعتراف من نثنائيل أتى مبكِّراً، على لسانه، ويؤكّد أنّ الرّبّ يسوع هو ابن الله الآتي ليخلِّص العالم، وإن كان عفويًّا، وقبل ان يكتشف نثنائيل رسالة الرّبّ الخلاصيّة، لأنّه ما زال في أوّل طريقه مع الرّبّ يسوع، ولكنّها ستتحقّق، فيما بعد، عندما يُتمُّ الرّبّ يسوع رسالته على الأرض، ويفتح لنا أبواب الفردوس الذي فقدناه عندما تمرّد جدّانا آدم وحواء على الله، وسقطا منه؛ ولكنّ الرّبّ يسوع، آدم الثاني، أعادنا إليه، وهو الذي قال لنثنائيل ولنا: الحقّ، "الحقّ أقول لكم، إنّكم من الآن ترون السماء مفتوحة، وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن البشر".
فقد فتحت لنا أبواب الملكوت بآلام وقيامة الرّبّ يسوع الذي أقامنا بقيامته من بين الأموات.
لقد قال فيلبّس لنثنائيل: "تعالَ وانظر، فأتى ورأى يسوع، وتبعه وأصبح من تلاميذه. يجب أن نُسائل أنفسنا: هل نحن ندعُو مَن لم يعرفِ الربَّ يسوع، بعد، إلى أن يعرفه، ويعرف أنّه ابن الله الحيّ الذي أتى ليخلّص العالم؟ هل نقوم بدورنا البشاريّ بالرّبّ يسوع، وندعو الناس إليه؟
إنّ مسؤوليّة كلّ إنسان يؤمن بيسوع المسيح أن يحمل البشارة للآخرين، ويدعوهم ليكونوا من حظيرة أبناء الله. وليعمل كلّ منّا بما دعانا إليه بولس بقوله: ويلٌ لي إن لم أبشِّر"..
والذين تصلهم هذه البشارة عليهم تلبية النداء: "تعالَوا وانظروا"، فالرّبّ يسوع ينتظرهم في الكنيسة، وهو الذي قال لنا: "تعالَوا إليّ أيّها المتعَبون، والثقيلو الأحمال وأنا أريحكم". فهل نأتي ونقول له: أنت ابن الله الحيّ، الذي أتيت لتخلّص العالَم، وتحرّرنا من نير الظلم والعبوديّة والخطيئة والموت؟
الرّبّ يسوع يقرع أبواب قلوبكم، افتحوا له، واستقبلوه، ليحلّ فيها ويقدّسها، ويطهرّها من كلّ إثم، ولنتحوّل إلى ينابيع محبّة وسلام للآخرين. وبتناولنا جسده ودمه الكريمَين، ننال مغفرة خطايانا، والحياة الأبديّة. ننالهما بقوّته هو الذي قَهَر الموت بموته، وبقيامته من بين الأموات التي ننتظرها، ونحتفل بها في نهاية هذه الفترة المباركة. نضرع إليه أن يؤهّلنا لنصرخ إليه: "المسيح قام، حقًّا قام"، له المجد إلى الأبد آمين.
الإنسان والخَلْقُ:
نظرةٌ أنثروبولوجيّة
هدفُ اللهِ من الخَلقِ الإنسانُ؛ فهو لم يُخلق عبثًا، لم يُخلق بلا هدف، رغمَ أنَّ الخلقَ الأبديّ هو ميزةٌ إلهيّةٌ نابعةٌ من المحبّة. هناك ارتباطٌ وثيقٌ بين الخالقِ والخلقِ وبين الخليقةِ والإنسان؛ وهو ارتباطٌ هادفٌ. الأنثروبولوجيا علمٌ يُعنى بتفسير الإنسانِ والعوامل المحيطة به والمؤثّرةِ في صقلِه كإنسانٍ وكفردٍ في المجتمع؛ هذه، على الأقلّ وباختصارٍ، نظرةٌ مُعاصِرة. إنَّ دراسةَ الإنسانِ بهذه الطريقة، بهدف تحسين حياته (الأرضيّة)، إنّما ينقصها التوجّه الصحيح. نحن نؤمن بأنثروبولوجيّة لاهوتيّة تفسِّر الإنسان في سياق التدبير الإلهيّ والخلاص والكنيسة والتألُّه. فإذن، هدفُ الله من الخلقِ هو الإنسان لكي يصبحَ الخلقُ هدفاً للانسان الحقيقيّ؛ وما الخلقُ إلّا عملٌ إلهيٌّ، وهذا ما ميَّز الإنسانَ عن المخلوقات إذ أتاح اللهُ لهُ فرصةَ الخلقِ. وإذا كان الخالِق مُتعاليًا، فالإنسان، كخالقٍ صغيرٍ، دُعي ليتعالى، ليصبحَ سيِّدًا على الخليقةِ كالله. هذا تدريبٌ فرضته العناية الإلهيّة على الانسانِ في مسيرته نحو الهدف الإلهيّ. لقد خُلِقَ الإنسانُ لكي يصير سيِّداً فاختارَ أن يكونَ عبداً لكلِّ ما خُلِقَ ليتسلَّط هذا الأخير عليه.
الإنسانُ المعاصرُ ينظر إلى تلك الأمور بالعكس. ففي نظرةِ العصر المرضُ ينتج من الكبتِ والمكبوتُ هي اللّذة الواجبُ تلبيتها؛ هذا ما يدعو أيضاً إلى التحرّر من قيود المجتمع الخُلُقيّة البحتة والعقد البسيكولوجيّة الناتجة عن الكبت غير الهادف. فالرغباتُ أصبحت حاجاتٍ والحاجاتُ أصبحت هدفاً، وهذا ما يجعلُ الإنسان أن يندثر ويُوارى الظُّلُمات. الإله أصبح متاهة والإنسانُ تَفاهة. هنا يؤدّي لاهوتنا الأرثوذكسيَّ دوره كشافٍ للإنسان. فهو، أبداً، يعي هذا المرض وفيه وضعت الكنيسةُ العلاجَ. هذا اللّاهوتُ ليس فلسفةً يتمتّعُ بها الفقهاء ليفنِّدوها ضمن موضوعات، بل هو رسمٌ لخريطةِ طريقِ العلاج. فاللّاهوت يحدّد، بوضوح، هدفَ الإنسان ومحور تحرُّكهِ والعامِلَ المركزيَّ المحوِّلَ إيّاه إلى إنسانٍ حقيقيّ. أن ينتقلَ الإنسانَ من الحالةِ التُّرابيّةِ إلى حالةِ الإنسانِ الحقيقيّ هو العتبة الأولى على درب الخلاص. واحداً كانَ الإنسانُ الحقيقيّ، يسوعُ المسيحُ، كمالُ التدبير الإلهيّ وهدفُه. فهو رسمٌ لِما على الإنسانِ أن يكونَ، لا بشراً بل محبّةً.
السَّقطةُ، إذن، هي حركة الإنسانِ تجاهَ تُرابيّته ورؤيةٌ لنفسِهِ بمجهَرِ نفسه. هي البحثُ عن القوّة والعظمة والسُّلطة والألوهة بعيداً عن مصدرها. هذا يشيرُ إلى الحرّيّة الـمُستَعبِدة التي اختارها الإنسان بدلاً من العبوديّة الـمُحرِّرة. هذا ما يطبع كلّ تاريخ الإنسان، والويلاتُ التي تصيبه، ما هي إلّا نتيجةٌ لذلك العمى المتصلِّب. ومن يَعِ الهدف الإلهيّ يعرفْ أنَّ هذا كلّه يمكن أن يتغيّر بقرار: أن أنظرَ يسوع كذلك الذي به أحيا وأتحرَّك وأوجَد. هذا يُقيم المسيحَ في وسطنا كبشر لأنَّ كلَّ من ينظر إليه كهدف يصبحُ مع الآخَرِ جماعة. وإذا أدرك الإنسانُ انتماءَه إلى جماعةِ المسيحِ ينطلقُ بالخلقِ من جديدٍ، لا كائنًا تُرابيًّا بل ابنًا روحيًّا. فالمسيرةُ هي وجهة نظر؛ هل لي أن أتبصَّر بذاتي أم ألقي بنظري إلى خالقي؟ من خلال هذه المقالةِ أدعو كلّ من يتعاطى اللّاهوت إلى أن نبني، باللّسانِ العربيّ، أنثروبولوجيّةً لاهوتيّةً معاصرةً هدفها توجيه تعليم الكنيسة إلى الرعاية الهادفة لكي، في نهاية المطاف، يستطيع الإنسان أن يعي مصدره، ركنه وهدفه.