الأحد 8 تَمّوز 2018
08 آب 2018
الأحد 8 تَمّوز 2018
العدد 27
الأحد السادس بعد العنصرة
اللَّحن الخامس الإيوثينا السادسة
* 8: العظيم في الشّهداء بروكوبيوس، الشّهيد أنستاسيوس * 9: بنكراتيوس أسقف طفرومانيَّة، * 10: يوسف الدِّمشقيّ، الشُّهداء الـ 45 المستشهَدون في أرمينية، أُوفيميَّة المعظَّمة في الشَّهيدات * 11: القدِّيسة الملكة أولغا المعادلة الرُّسل، * 12: الشّهيدان بروكلس وإيلاريوس، فيرونيكي النَّازفة الدّم، باييسيوس الآثوسيّ، * 13: تذكار جامع لجبرائيل رئيس الملائكة، استفانوس السابويّ، الشّهيدة مريم، البارَّة سارة، * 14: الرَّسول أكيلَّا، نيقوديموس الآثوسيّ، يوسف (تسالونيك). *
"مَعرفة الذات"
مَن يعرفْ نفسَه يعرِفِ الإله الذي جُبِل على صورته (تكوين 1: 26). بِه يَعيش: إمّا للخطيئة والموت، إذا ما سار خلف رئيس هذا العالم، إمّا للقداسة والحياة، إذا ما سلك طريق الحقّ. فالحياة الأبديّة هي "أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الْحَقِيقِيَّ" (يوحنّا 17: 3).
المعضِلة إذًا تكمُن في معرفة اللّه كما هو، ومنه الذات الحقيقيّة كما يجب أن تكون، وهذه مسيرة حياة، أبديّة!
من يَسعَ إلى اكتشاف داخله يبحث عن مواهِبه المُختَلِفَة المُعطَاة له بحسَب النِّعمَة (رومية 12: 6)، وعن كيفيّة تفعيلها لخدمة الآخر، محبّةً به: "مَن يُحِبُّ اللهَ يُحِبُّ أخاهُ أيضاً" (1 يوحنّا 4: 21). فمعرفة الذات تؤدّي إلى تَقبُّل نقاط ضعفِها، وفهم محدوديّتها، وتقييم قدراتها.
حينها يُقدِّر الإنسان نقاط قوّته، ويَلتمس مَحبّة الله له رغم خطيئته، ويشكر الرّبّ على طول أناته.
مَن يعرف ذاته يبحث عن "شريكٍ مُعينٍ، شبيهٍ له" (تكوين 2: 18)، يصير واحدًا معه بنعمة الرّوح القدس، يكوِّن عائلةً مسيحيّةً تسعى إلى قداسة
أفرادها. فالواحد يُكمِّل الآخر، والكلّ يغدو جسدًا مترابط الأعضاء لا خلل فيه.
أُسس العائلة الصَّلبة تُبنى على معرفة الذات وقبول الآخر كما هو لا كما أريده أن يكون. الحوار الدائم بين الزوجَين، وبين الأهل والأولاد، وبين الأبناء، يعمِّق الروابط العائليّة، ويقوّي الفرد ضمن المجموعة، ويحمي البيت من التفكّك... وهذا ما تَتمنّاه الكَنيسة لكلّ عائلة تتكوّن في سرّ الزواج حين تذكر، في صلاة خَتم خدمة الإكليل، القدّيس العظيم في الشّهداء بروكوبيوس لأنّ اسمه يعني "توفيق".
كلّ إنسان يَصبو إلى ما هو أفضل، يدفع بقدراته إلى أقصى حدودها، أفكريّة كانت أم جسديّة.
وكما يقول القدّيس بولس الرّسول "أستطيعُ كُلَّ شَيء في المسيحِ الَّذي يُقَوِّيني"(فيليبّي 4: 13)، بالتالي يؤول الضَّعف إلى قوّة حينما يوضع بين يَديِ الضابط الكلّ. وهذه هي حكمة الذين اختبروا معنى كونهم أبناء الله، وهذا هو إيمانهم.
*****
طروباريَّة القيامة باللَّحن الخامس
لنسبِّحْ نحن المؤمنينَ ونسجدْ للكلمة المساوي للآب والرّوح في الأزليّة وعدمِ الاِبتداء، المولودِ من العذراءِ لخلاصِنا. لأنّه سُرَّ، بالجسد، أن يعلوَ على الصليبِ ويحتملَ الموت ويُنهِضَ الموتى بقيامتِه المجيدة.
القنداق باللَّحن الثاني
يا شفيعةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودة، لا تُعرِضي عَنْ أصواتِ طلباتنِا نَحْنُ الخَطأة، بَل تداركينا بالمعونةِ بما أنّكِ صالِحة، نحنُ الصارخينَ إليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعةِ وأَسرعي في الطِّلبةِ، يا والدةَ الإلهِ المتَشفّعةَ دائماً بمكرِّميك.
الرِّسالَة
رو 12: 6-14
أنت يا ربُّ تحفظُنا وتستُرُنا من هذا الجيلِ
خلّصني يا ربُّ فإنَّ البارَّ قد فَني
يا إخوةُ، إذ لنا مواهبُ مختلفةٌ باختلافِ النعمةِ المعطاةِ لنا. فَمَن وُهِبَ النُبوَّة فليتنبأ بحسَبِ النِسبةِ إلى الإيمان، ومَن وُهب الخدمةَ فليلازِمَ الخِدمَةَ، والمُعلِّمُ التعليمَ والواعِظُ الوَعظَ والمتَصَدّقُ البَساطةَ والمدبِّرُ الاِجتهادَ والراحِمُ البشَاشة، ولتكُنِ المحبَّةُ بلا رِياء. كونوا ماقتين للشَرِّ وملتَصِقينَ بالخَير، محبِّين بعضُكم بعضًا حُبًّا أخويًّا، مُبادِرين بعضُكم بعضاً بالإكرام، غيرَ متكاسِلين في الاِجتهادِ، حارّين بالروح، عابِدين للربّ، فرحِين في الرجاء، صابِرينَ في الضيقِ، مواظِبين على الصلاة، مؤاسينَ القدّيسينَ في احتياجاتهم، عاكِفين على ضِيافةِ الغُرباءِ. بارِكوا الذين يضطَهِدونكم. بارِكوا ولا تلعَنوا.
الإنجيل
متّى 9: 1-8 (متّى 6)
في ذلك الزمان دخلَ يسوعُ السفينةَ واجتاز وجاءَ إلى مدينتهِ. فإذا بِمُخلَّعِ مُلقىً على سَرير قدَّموهُ إليهِ. فلمَّا رأى يسوعُ إيمانَهم قال للمخلَّع: ثِق يا بُنيَّ، مغفورةٌ لك خطاياك. فقال قومٌ من الكتبةِ في أنفسهم: هذا يُجَدّف. فعلم يسوع أفكارهم فقال: لماذا تفكّرونَ بالشرِّ في قلوبكم؟ ما الأيسرُ أن يُقالَ: مغفورةٌ لك خطاياك أم أن يُقال قُمْ فامشِ؟ ولكن، لكي تعلموا أنَّ ابنَ البشرِ لهُ سلطانٌ على الأرض أن يغفِرَ الخطايا. حينئذ قال للمخلَّع قُمِ احمِلْ سريرَك واذهبْ إلى بيتك. فقام ومضى إلى بيته. فلمَّا نظرَتِ الجموعُ تعجَّبوا، ومجدَّوا الله الذي أعطى الناسَ سلطاناً كهذا.
في الإنجيل
الخطيئة مرض للنفس ومرض النفس ينتقل إلى الجسد.
لقد ابتدأ الرّبّ يسوع بشفاء النفس أوّلاً "مغفورة لك خطاياك"؛ شفى النفسَ أوّلاً ثم شفى العوارض الجسديّة "قم احمل فراشك واذهب إلى بيتك".
هنا تتّضح العلاقة الوثيقة بين غفران الخطايا وشفاء الجسد.
لذلك، عند مرضنا، علينا، أوّلاً، أن نصلّي من أجل طهارتنا الداخليّة من الخطايا.
هذا لا يعني أنّ كلّ مرض هو نتيجة خطيئة شخصيّة محدّدة. هذا يعني أنّ المرض يدلّ على ضعف الإنسانيّة وميلها إلى الشرّ. الخطيئة تفصل الإنسان عن الله، ولهذا هي سبب كلّ مرض. الإلتصاق بالله والعمل بوصاياه يَمحوان كلّ مرض وكلّ ضعف في الشعب. هذا يشكّل الشفاء الحقيقيّ للإنسان.
"ثِقْ يا بنيّ، مغفورة لك خطاياك". الإيمان بيسوع مصدر غفران الخطايا والخلاص للإنسان.
إنّ غفران الخطايا أهمّ بكثير من الشفاء الجسديّ. لم يكن يسوع يجدّف إذ إنّ الله هو الذي يعمل فيه. إنّ رواية المخلّع تبلغ أوجها في الآية التالية: "لكي تعلموا أنّ لاِبن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا" (متّى 9: 6).
يسوع هو ابن الإنسان الذي تحدّث عنه دانيال (دانيال 7: 13)؛ هو المخلّص الذي سيأتي في آخر الأيّام، سيعطيه الله كلّ سلطان في السماء وعلى الأرض (متّى 28: 18).
"حينئذ قال للمفلوج قم اِحمل فراشك واذهب إلى بيتك" (متّى 9: 6). هنا يتوجّه يسوع إلى المخلّع حتّى يقرن القولَ بالفعل.
يسأل يسوع: ما هو الأيسر غفران الخطايا أم الشفاء من المرض الجسديّ؟ طبعاً يعتبر الناس شفاء الجسد أصعب وغفران الخطايا أسهل، لأنّهم لا يستطيعون رؤية الخطيئة في العمق؛ أمّا يسوع فهو ينظر إلى السبب والنتيجة في آن معًا.
يشفي المرض الجسديّ هذا الذي يراه الجميع، وفي الوقت نفسه يرفع سبب المرض كابن الإنسان الذي له سلطان على الأرض لغفران الخطايا.
هذا برهان قاطع أمام اليهود أنّ يسوع يملك السلطان الإلهيّ، برهان على ألوهيّته.
ينتهي المقطع الإنجيليّ بالقول: "فلمّا رأت الجموع شفاء المخلّع تعجبّوا ومجّدوا الله الذي أعطى الناس سلطاناً مثل هذا" (متّى 9: 8).
عجب الجموع سببه الحضور الإلهيّ أمامهم بالعبارة "الذي أعطى الناس".
المقصود هنا يسوع نفسه ومن خلاله أولئك (الرّسل والكهنة) الذين أعطاهم يسوع سلطان غفران الخطايا "ما تحلّونه على الأرض يكون محلولاً في السماء وما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء" (متّى 18: 18).
شواهد ومقتطفات كتابيّة
ذبيحة المسيح:
مثل خروف سيق إلى الذبح وكحمل بريء أمام الذي يجزّه هكذا لم يفتح فاه. بتواضعه ارتفعت حكومته، أمّا جيله فمن يصفه" (مولده). لأنّ حكومته ارتفعت على الأرض" (أي حياته).
* لماذا التجسّد؟
"كان ينبغي أن يشبه إخوته في كلّ شي لكي يبيدَ بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أعني إبليس ويُعتق أولئك الذين كانوا كلّ حياتهم تحت العبوديّة خوفاً من الموت" (عبرانيّين 2: 14-15).
*دعوة متّى العشّار
"فلمّا نظر الفرّيسيّون قالوا لتلاميذه لماذا يأكل معلّمكم مع العشّارين والخطأة؟! قال لهم يسوع: "لا يحتاج الأصحّاء إلى طبيب بل المرضى... إنّي أريد رحمةً لا ذبيحة، لأنّي لم آتِ لأدعو صدّيقين بل خطأة إلى التوبة" (متّى 9: 11-13).
* ملكوت الله:
"ليس ملكوت الله أكلاً وشراباً بل هو برٌّ وسلام وفرح في الرّوح القدس" (رومية 14: 17).
* ثمار الرّوح:
"ثمر الرّوح هو محبّة، فرح، سلام، طول أناة، لطف، صلاح، إيمان، وداعة، تعفّف. ضدّ أمثال هذه ليس ناموس" (غلاطية 5: 22-23).
*العلاج كيفيّته:
"إذا سقط أحدٌ في زلّة فأصلحوا أنتم الرّوحيّين مثل هذا بروح الوداعة، ناظراً إلى نفسك لئلاّ تجرَّب أنت أيضًا" (غلاطية 6: 1). "احملوا بعضكم أثقالَ بعضٍ وهكذا تمّموا ناموس المسيح" (غلاطية 6: 2).
*كيف نجمع المتفرّقين إلى واحد؟:
مثال المسيح: "قال لهم واحد منهما، وهو قيافا، أنتم لستم تعرفون شيئاً ولا تفكّرون أنّه خيرٌ لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمّة كلّها... تنبّأ أنّ يسوع مزمعٌ أن يموت عن الأمّة وليس عن الأمّة فقط بل ليجمع أبناءَ الله المتفرّقين إلى واحد" (يوحنّا 11: 49-52).
*من هو الأوّل؟:
"من أراد أن يكون فيكم أوّلاً فليكن للكلّ خادماً، بل من أراد أن يكون فيكم عظيماً فليكن للكلّ عبداً. إنّ ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدَم بل ليَخدم وليبذل نفسه فديةً عن كثيرين" (متّى 20: 26-27-28).
قيمة الأسرار
هذه الأبواب، أعني الأسرار الكنسيّة، لها قيمة أسمى وفائدة أجلّ من التي لأبواب الفردوس. أبواب الفردوس تنفتح أمام أولئك الذين يلجون أبواب الأسرار أوّلاً، وأبواب الأسرار انفتحت عندما كانت أبواب الفردوس مقفلة.
انفتحت أبواب الفردوس مرّة وانقفلت تاركة خارجًا قوّات الظلام، أمّا الأسرار، هذه الأبواب السرّيّة، فإنّها تُدخِل ولا تخرج أحدًا. كان من الممكن أن تنقفل الأبواب التي للفردوس كما انقفلت زمنًا طويلاً.
أمّا الأسرار فقد سقط بها الحجاب وسياج العداوة المتوسّط قد انهدم ولم يعد بالإمكان أن يرتفع حاجز آخر وأن يفصل جدارٌ بين الله والإنسان.
السماء لم تنفتح فحسب بل انشقّت، كما يقول لوقا الإنجيليّ ليبرهن أنّه لم يبقَ أمام الداخلين لا باب ولا حجاب. فالمسيح الذي حقّق المصالحة بين العالَمَين العلويّ والسفليّ ووحّدهما وطّد السلام وأزال الحاجز المتوسّط "لا يستطيع أن ينكر ذاته" (2 تيمو 2: 13) كما يقول الرّسول بولس.
إنّ أبواب الفردوس التي كانت مفتوحة لآدم في البدء أقفلت، والعدل يقضي بأن تقفل ما دام آدم لم يرد أن يبقى في حالة البراءة التي مُنحها عندما خرج من يد الخالق.
وهذه الأبواب (أبواب الفردوس) المقفلة في وجه الإنسان الساقط فتحها المسيح ذاته، هو الذي "لم يفعل خطيئة واحدة" (1 بطر 2: 22) "وعدله إلى دهر الداهرين" (مز 111: 3).
المسيح فتح أبواب الفردوس، ومن الضروريّ أن تبقى مفتوحة وأن تُدخل المسيحيّين إلى الحياة الأبديّة.
ولا خوف بعدُ من السقوط كما سقط آدم الذي خسر الفردوس الأرضيّ لأنّ المخلّص يقول: "أنا أتيت لتكون لكم حياة" (يوحنّا 10: 10).
فالحياة التي حملها السيّد نُعطاها بواسطة الأسرار التي نصبح بها شركاء في الآلام والموت.
فمن لم يشترك بالأسرار لا يتمكّن من الهرب من الموت الروحيّ، والذين لم يعتمدوا ولم يتناولوا جسد المسيح ودمه لا يستطيعون أن يرثوا الحياة الأبديّة.
عن كتاب "الحياة في المسيح"
لنقولا كاباسيلاس