الأحد 5 آب 2018
05 آب 2018
الأحد 5 آب 2018
العدد 31
الأحد العاشر بعد العنصرة
اللَّحن الأوّل الإيوثينا العاشرة
* 5: تقدمة عيد التجلّي، الشّهيد آفسغنيوس، نونة أمّ القدّيس غريغوريوس اللّاهوتيّ، 6: تجلّي ربّنا وإلهنا يسوع المسيح، * 7: الشّهيد في الأبرار دوماتيوس، * 8: إميليانوس المعترف أسقف كيزيكوس، * 9: الرّسول متيَّاس، البارّ بسويي، * 10: الشّهيد لَفرنديوس رئيس الشمامسة، * 11: الشّهيد آفبلُس الشمَّاس، نيفن بطريرك القسطنطينيّة.
المحبَّة المُؤدِّبة
يُعلّم الرّسول بولس أنَّ كلّ شيء يجب أن يتمّ بلياقة وترتيب، "يحقّ لي كلّ شيء، لكن ليس كلّ شيء يُوافق".
وتبقى المبالغات والإفراطات سواء الإيجابيّة أم السلبيّة، على السواء مؤذية. اليوم، كثيراً ما نلحظ، في رعاية عائلاتنا المسيحيّة لأبنائها، محبّة كبيرة وتضحية عظيمة تُقدَّم من جانب الأهل.
للوهلة الأولى يبدو الأمر جيّدًا ومُباركًا، ولكن، إنّ تأمّلنا به عميقاً، ماذا سنجد؟ سنجد فعلاً محبّة، ولكنّ المحبّة التي تعمل بشكل أعمى أو بشكل غير واضح، ومن دون تمييز ومن دون معايير، خطرة ومؤذية جدًّا.
محبّة الأهل لأبنائهم يجب أن تتأرجح بين الحنان والتأديب. لو تأمّلنا في الطريقة التي نربّي بها أولادنا لوجدنا أنّنا أمسينا نقدّم لهم الحنان فقط وغاب التأديب وتالياً غابت التربية من المعادلة.
للأسف يقتصر دور الأهل اليوم، في التربية، سواء عن وعي أم عن عدم وعي، وبتأثير مجتمع الاِستهلاك ورفاهياته، على السعي الحثيث والمُضني إلى تأمين رفاهيات العيش لأولادهم.
من نتائج هذه السياسة المؤلمة أنّنا أمسينا نُننتج جيلاً من الأبناء لا يعرف معنى التعب، وليس بوسعه أن يشعر بتعبَ أهله في سبيله أو أن يُقدِّره، وهو نفسه لا يريد أن يتعب.
أمسينا مهدّدين بجيل من الأبناء، لا يعرف أن يُحبّ ولا أن يعطي، ولا أن يُضحّي، لأنّه، ببساطة، قد اعتاد على الأخذ والأخذ فقط.يعرف فرح الأخذ ولا يعرف فرح العطاء، الأعظم منه.
إنّ سعي الأهل الحثيث إلى استرضاء اولادهم برفاهيات العيش ملأ حياة الأبناء بالقشور. ففي سبيل تأمين الرّفاهيات بغزارة، حرمنا أولادنا من أهمّ شيء، وهو أن يكون لهم إخوة.
يُسارع الأهل ويشقَون في ترك ميراث أرضيّ لأبنائهم وكأنّ الميراث هو ضمانة الحياة والمستقبل، ولا يريدون أن يتركوا وراءهم عائلة كبيرة من الأبناء يساند فيها الأخ أخاه، والأخت شقيقتها، والأخ أخته.
في خضمّ عائلات صغيرة أولادنا يشعرون بالوحدة ولا يشبعون من فرح اللقاء، فليس هناك من أخ رفيق لهم أو نسيب رفيق لهم.
اليوم يسارع أولادنا إلى كلّ الأماكن خارج المنزل حتّى يبحثوا عن رفيق وصديق يقضون أوقاتهم معه. وهنا تكمن الخطورة في نوعيّة العشرة التي قد يختارونها عن جهل وقد تُودي بهم الى دروب مهلكة.
انظروا إلى أبنائنا، فكلّهم، دون استثناء، يطلبون الحبّ الصّافي والحقيقيّ ويفشلون به. عطشهم الأكبر اليوم هو إلى الصدق في العلاقات كما إلى البحث عن حبّ أصيل، ولكنّهم كثيراً ما يلقون خيبة الأمل، لماذا؟ هناك الحبّ وهناك البشر.
المشكلة ليست في الحبّ ولكن في البشر الذين يحبّون والذين ربّاهم أهلهم وعوَّدوهم على محبّة الأخذ المجّانيّ فقط. ولهذا تقوم علاقات الحبّ لدى شبابنا وشابّاتنا على مبدأ المقايضة الذي يجري في اللاوعي. أُحِبّ شريطة أن أُحَبّ، لا بدّ من أن يكون هناك لما أقدِّمه من حبّ
1- مردود (أن أُحَبّ)،
2- شكل المحبّة التي أنتظر، (نوعيّة الحبّ)
3-كمّيّتها،
4- التوقيت والمدّة.
وهذه ليست شروط الحبّ الأصيل لكن شروط الحبّ الذي اعتاد أن يتملَّك الآخر ويلغي وجوده. أنت في حياتي بمقدار ما تحبّني، وأنا في حياتك بمقدار ما أحبّك. الحبّ لا يقوم على شراء الآخر ولا يقوم على إشباع عاطفتي. الحبّ يقوم على التضحية، والتضحية، كي تكون تضحية، لا بدّ لها من أن تكون مجّانيّة، وهذا يعارض سياسة الأخذ المجّانّي التي يتربّى عليها أبناؤنا.
الحبّ لا يقوم على مطالبة الحبيب بلقاء كمّيّ ونوعيّ وأداء يقابل ما تمَّ تقديمه من المحبّة.
الحبّ يقوم على قبول الآخر كما هو، بضعفاته، واحتمالها.
الحبّ يقوم على أن يلوم كلّ شخص نفسه على ضعفاته التي تجرح الحبّ وتُسيء إليه. الحبّ لا يعني أن يصبر عليَّ الحبيب بل أن أصبر أنا على الحبيب. التملّك في الحبّ هو أن نطالب بعضنا البعض بالتضحية. الحبّ هو أن نضحّي بعضنا لبعض.
الحبّ أن نلتزم بواجبنا تجاه الحبيب والتملّك أن نُلزم الحبيب بحقوقنا عليه ونهينه بتذكيره الدائم بكلّ عمل جيّد فعلناه لأجله.
أحبّ الحبيب ولكن أحبّ ذاتي أكثر، لذا لا مجال للصّبر، والكرامة يجب أن تبقى مقدّسة لا تُمسّ. المشكلةأنّنا لا نريد أن نشكّل كلًّا واحداً مع الحبيب. لهذا، ينقلب الحبّ إلى عذاب والحبيب إلى سجن وجحيم.
لهذا قد نسمع الكثيرين يقولون أحببتها أكثر ممّا أحبّتني، والأحرى أنّني قد أكون جدًّا متطلّبًا في الحبّ إلى درجة أدَّت إلى خنق الحبيب وقتل الحبّ.
التطلّب من الآخر في الحبّ هو أنانيّة، والحبيب، آنذاك، يصير سلعة رخيصة لإشباع العواطف والمشاعر، عندما أضجر منها أو يضعف ويتعب أداؤها وفعّاليّتها أهجرها وأنتقل باحثاً عن غيرها.
الفرح بمبادرة الحبيب هو معيار الحبّ حقًّا. الحبّ الذي لا يحفظ حرّيّة الحبيب ليس بحبّ.
نجاح أبنائنا اليوم في حياتهم يعود إلى الطريقة التي نربّي بها أبناءَنا.
أيُّها الأهل من تربيتكم يبدأ النجاح في حياة الأبناء أو يبدأ الفشل.
طروباريَّة القيامة باللَّحن الأوّّل
إنّ الحجرَ لمّا خُتِمَ مِن اليهود، وجَسَدَكَ الطاهرَ حُفظ من الجند، قُمتَ في اليومِ الثالثِ أيُّها المخلّص مانِحاً العالم الحياة. لذلك، قوّاتُ السَّماوات هتفوا إليكَ يا واهِبَ الحياة: المجدُ لقيامَتِكَ أيُّها المسيح، المجدُ لمُلكِكَ، المجدُ لتدبيرك يا مُحبَّ البشرِ وحدك.
طروبارية تقدمة التجلّي باللَّحن الرابع
لنتقدّم أيها المؤمنون، ونستقبل تجلي المسيح، معيِّدين بابتهاجٍ لتقدمة العيد، ونهتف قائلين: لقد اقترب نهار السرور الإلهي، بارتقاء السيد إلى جبل ثابور، ليشرق ببهاء لاهوته.
قنداق تقدمة التجلّي باللَّحن السّابع
اليومَ الطبيعةُ البشريّة بأسرها تتلألأُ بالتّجلّي الإلهيّ، مشرقةً بحالٍ إلهيّة وهاتفة بسرور: المسيحُ يتجلّى مخلّصاً الجميع.
الرِّسالَة
1 كو4: 9-16
لتكُنْ يا ربُّ رحمتُكَ علينا كمثلِ اتّكالنا عليك
ابتهجوا أيُّها الصدِّيقون بالربّ
يا إخوةُ، إنَّ الله قد أبرزَنا نحنُ الرسلَ آخِرِي الناسِ كأنَّنا مجعولونَ للموت. لأنَّا قد صِرنا مَشهداً للعالم والملائكةِ والبشر. نحنُ جهَّالٌ من أجلِ المسيحِ أمَّا أنتمُ فحكماءُ في المسيح. نحنُ ضُعَفاءُ وأنتم أقوياءُ. أنتم مُكرَّمون ونحن مُهانُون. وإلى هذه الساعةِ نحنُ نجوعُ ونَعطَشُ ونَعْرَى ونُلطَمُ ولا قرارَ لنا، ونَتعَبُ عامِلين. نُشتمُ فَنُبارِك. نُضطَهدُ فنحتمل، يُشنَّعُ علينا فَنَتضَرَّع. قد صِرنا كأقذارِ العالم وكأوساخٍ يستخبِثُها الجميعُ إلى الآن. ولستُ لأخجِلَكُم أكتبُ هذا وإنَّما أعِظُكُم كأولاديَ الأحبَّاءِ. لأنَّه، ولو كانَ لكم ربوةٌ منَ المُرشِدينَ في المسيح، ليسَ لكم آباءٌ كثيرون، لأنّي أنا وَلَدْتُكم في المسيحِ يسوعَ بالإنجيل. فأطلبُ إليكم أن تكونوا مقتَدِينَ بي.
الإنجيل
متّى 17: 14-23 (متّى 10)
في ذلك الزمان دنا إلى يسوعَ إنسانٌ فجثا لهُ وقال: يا ربُّ ارحمِ ابني فإنَّهُ يُعذَّبُ في رؤوسِ الأهِلَّةِ ويتالَّم شديداً لأنَّهُ يقعُ كثيراً في النار وكثيراً في الماءِ، وقد قدَّمتُهُ لتلاميذِك فلم يستطيعوا أنْ يَشْفُوهُ. فأجاب يسوعُ وقال: أيُّها الجيلُ غَيرُ المؤمنِ الأعوجُ، إلى متى أكون معكم؟ حتّى متى أَحتملكم؟ هلَّم بهِ إليَّ إلى ههنا. وانتهرهُ يسوعُ فخرجَ منهُ الشيطانُ وشُفيَ الغلامُ من تلكَ الساعة. حينئذٍ دنا التلاميذُ إلى يسوعَ على انفرادٍ وقالوا: لماذا لم نستطِعْ نحن أنْ نُخْرِجَهُ؟ فقال لهم يسوع لِعَدمِ إيمانِكم. فإنّي الحقَّ أقولُ لكم: لو كانَ لكم إيمانٌ مثلُ حبَّةِ الخردلِ لكنتُم تقولون لهذا الجبلِ انتقِلْ من ههنا إلى هناك فينتقِلُ ولا يتعذَّرُ عليكم شيءٌ. وهذا الجِنس لا يخرجُ إلاَّ بالصلاة والصّوم. وإذ كانوا يتردَّدون في الجليل قال لهم يسوع: إنَّ ابنَ البشر مزمِعٌ أن يُسلَّمَ إلى أيدي الناس فيقتلونهُ وفي اليوم الثالث يقوم.
في الإنجيل
الإيمان والتواضع: تشبه حالتنا اليوم حالة التلاميذ قبل قيامة الرّبّ. قال يسوع عن تلاميذه إنّهم جيل غير مؤمن أعوج. عند عجزهم عن إخراج الشّيطان وشفاء الصبيّ، سألوا الرّبّ:
"لماذا لم نستطع نحن أن نخرجه؟"، إذ ذاك قال لهم:
"لو كان لكم إيمان مثل حبّة الخردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من ههنا إلى هناك فينتقل".
"تحدّى الرّبّ كبرياء التلاميذ، الذين أصيبوا بخيبة أمل لأنّهم شعروا بأنّ السلطة الرّوحيّة التي لديهم لم تكن كافية في حالة الصبيّ.
وعندما سألوه جانباً، انتهرهم بقوله إنّهم ليس لديهم إيمان، ولا حتّى بمقدار حبّة خردل صغيرة.
وبدلًا من التساؤل عن سبب عدم تمكّنهم من اجتراح المعجزات، كانوا بحاجة إلى أن يتواضعوا من خلال الصّلاة والصّوم، اللَّذَين بهما يتنقَّون ويتجلَّون، ويكتسبون السلطة على قوى الشرّ.
الإيمان أوّلاً أن لا نخلط بالإيمان بالرّبّ يسوع إيمانات مزيّفة (كقوّة السلطة والمال، مثلاً) ، بل أن نحيا له بالإخلاص الدائم. هل هذا ممكن؟ الله برحمته لم يستخفَّ بالتلاميذ في عدم إيمانهم، بل انتهرهم وسنَدهم... لقد شعروا بضعفهم، إذ قالوا في موضع آخر:
"زد إيماننا" (لو 17: 5)، وكان لمعرفتهم نقصَهم نفعٌ عظيمٌ لأنّهم بها تواضعوا، وتعرّفوا على من يسألونه (قوّتي في الضّعف تكمل)...
توجّهوا بقلوبكم إلى الينبوع الشافي، طالبين منه فقط الرّحمة والخلاص.
الإيمان وعلاقته بالصلاة والصوم: الإيمان مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالصّلاة والصّوم.
الصّلاة والصّوم يساعدان الإنسان على التقرّب من الله، لأنّ الصّلاة هي التكلّم مع الله والصّوم هو الاِهتمام بأمور خلاص نفس الإنسان وضبط شهواته المتفلّتة.
يقول القدّيس ثيوفانيس الحبيس:
"حيث لا يوجد صلاة وصوم، هناك الشياطين".
يحيا الإنسان المعاصر في كثير من المصائب والويلات لأنّ انعدام حياة النسك، أي حياة الصّلاة والصّوم، يجلب البعد عن الله وعدم الاِتّزان الداخليّ في الإنسان، ويفقده سلامه، فيصير في حالة صرع، ويعيش في آلام داخليّة عنيفة، ويُلقيه في صراعات متضاربة، تارة يلتهب بنار هوى الغضب العنيف يحرق كلّ ما هو حوله، بل يحرق نفسه في نيران لا تنظفئ، وتارة يرتمي في مياه هوى الشهوة ومحبّة العالم، مستهيناً بكلّ شيء من أجل لذّة موَقّتة.
هكذا يخسر الإنسان نفسه، ويجلب، حتّى لجسده، آلاماً مبرّحة.
إيمان الوالد واعترافه بضعفه:
يذكر الإنجيليّ مرقس حواراً بين الرّبّ يسوع وأبي الصبيّ، إذ يقول الرّبّ له:
"إن كنت تستطيع أن تؤمن فكلّ شيء مستطاع للمؤمن" (مر 9: 23)، وهذا الإرشاد ينطبق على جميع ظروف حياتنا. النقطة الحاسمة بالنسبة إلينا جميعًا هنا هي أن نجد الإيمان.
لقي والد الصبيّ ما كان يطلب، لأنّه أجاب الرّبّ يسوع بدموع صادقة: "أؤمن يا سيّد فأعن عدم إيماني".
وكأنّه يعترف بهذا: "إذا سألتني، يا الله فإنّ نفسي كلّها هي كتلة كبيرة من عدم الإيمان، لأنّي أعتمد على منطقي، ولكن احكم لي بحسب نيّتي، يا ربّ، وأعن عدم إيماني".
وكأنّ هذا هو الجواب الصحيح.
اعتراف الإنسان الحرّ بمرارة ضعفه، بعدم إيمانه، بانحرافاته الداخليّة المخفيّة، هو الخطوة الأولى:
أن نقول الحقيقة، والله يسمعنا، ويشفينا، ويخرج الخير الذي لا يمكن لأحد أن يخرجه إلّا هو!
عندما نقترب من الله بهذه الطريقة نكتشف، شيئاً فشيئاً، الطريق الحقيقيّ، ونقول في النهاية:
"لكن، ما هذا هذا؟ ماذا يحدث؟
لسنوات عديدة اعتقدت أنّي كنت مسيحيًّا، ولكن لم أكن مسيحيًّا على الإطلاق. والآن فقط بدأت أجد الله. الآن فقط، بعد أن بدأت، نظرت نعمة الله".
وتشعر- ولو متأخّراً- بأنّ الله يقبلك وأنت تتوب، وأنّه يعطيك الشفاء بالمغفرة، ويعطيك نعمته (الأرشمندريت سيمون كاريوبولوس)، وهكذا، كما تخبر نهاية المقطع الإنجيليّ، في اليوم الثالث تقوم مع الرّبّ (متّى 17: 23).
الإيمان ودور الأب: لا بدّ أخيراً من أن نذكر أنّ دور الأب هنا أساسيٌّ في الوصول إلى شفاء ابنه بواسطة المخلّص. هل تكفي العلاجات الطبّيّة التي نقدّمها لأولادنا؟
لنتّخذ من هذا الأب مثالاً ونأتِ بأولادنا إلى الرّبّ يسوع، ولنتوسّل إليه، كونَه العارف بضعف إيماننا، كي يمنحهم الشفاء والخلاص والحياة الأبديّة، فهو الأب الحنون والكلّيّ الرّحمة والغفران.
المرأة المسيحيّة
للمرأة دورٌ مهمٌّ في الحياة، فكيف إن اقترن ذلك بالفضائل المسيحيّة لتكوين عائلةٍ مسيحيّةٍ مباركة؟ ذلك أنّها، بمحبّتها، وبساطتها، وتواضعها، وطهارةِ سيرتها، يمكنها أن تصل إلى مكانةٍ تفوق فيها رجلها. تؤدّي المرأة دورًا مهمًّا في جعل العائلة كنيسةً صغيرةً، إن كانت تعيش في تناغمٍ وتوافقٍ مشتركٍ مع زوجها.
إنّ المسيح أحبّ المرأة، وأعطاها حقوقًا بعد أن كانت مهمَّشة في المجتمع آنذاك. كرّم المسيح المرأة كما حدث مع النسوة اللواتي أتين ليطيّبنه بالعطور، فبادر وطيّب بخبر القيامة المفرح خاطرهنّ الممزوج بالخوف والقلق. عندما أحضروا إليه امرأةً أُمسكت في حالةِ زنى، سألوه ما هو رأيه وما قد يكون قراره تُجاهها، فنظرَ في أعينِ دائنيها قائلاً هذا القول المشهور:
"مَن منكم بلا خطيئةٍ فليرمِها بحجرٍ"، فاختفى الجميع. هذا ما يقوله لنا، وبعتبٍ:
لماذا أيّها الإنسان ترجم أخاك إن أخطأ؟ ألا تعلم أنّك في الغد قد تكون أنتَ مَن يفعل الخطيئة؟ لقد وقف المسيح أمام المرأة الخاطئة طالبًا منها بمحبّةٍ ألّا تعود إلى الخطيئة فيما بعد.
كذلك الحال مع المرأة السامريّة، فبعد حوارها مع المسيح أصبحت مستنيرةً، ونسمّيها اليوم "مُنيرة"، إذ إنّه فتح عَينَيها الداخليَّتَين وأعطاها الشعور بالتوبة، فأضحت، بعد ذلك، مبشّرةً بالمسيح وعُدّت في مصفّ الرسل.
أنظروا إلى صفوف القدّيسين والشهداء الذين لا يتكوّنون فقط من جنس الرجال لا بل هناك رهطٌ كبيرٌ من النساء، ومن فتياتٍ شابّاتٍ. ونرى أيضًا عذارى مؤمناتٍ وَرعاتٍ، ونساءً معترفاتٍ اعترفن ببسالةٍ بإيمانهنّ بالمسيح واستشهدن متقبّلاتٍ كلّ أنواع التجاديف والعذابات، رغم ضعف طبيعتهنّ الأنثويّة كلّها، لمجد اسم يسوع المسيح.
المرأة في المسيحيّة هي في وسطِ الكنيسة، وقد تُضحي بطلةً من أبطالِ المسيح، وقد تفوق الرجل بسالةً وجأشًا؛ فهذا الجنس الضعيف، عندما يتقوّى بنعمة الله، ويستنير بالروح القدس، ويضطرم القلب فيه بالغيرة الإلهيّة، يُصبحُ أسدًا يُصارعُ كلّ أنواع الشدائد والصعاب!.
أيّتها النساء المسيحيّات، إنّه لأمرٌ مهمٌّ أن تؤمن المرأة بالمسيح وأن تعرف دورَها جيّدًا، وألاّ تتلهّى بتلك الحقوق التافهة التي فرضَها الإنسان ليوهم أنّه بفضلِ قوّتهِ وعقله جلب المساواة بين الجنسَين الذكوريّ والأنثويّ.
قد يكون هذا الكلام صعبًا في مجتمعٍ بحاجةٍ لأن تعمل فيه المرأة، لكنّ المرأة هي عمود البيت والركن الأساس له، ولا يمكن لها أن تتنصّل من دورها، لأنّها تُرضع ولدَها، فضلاً عن الحليب، الإيمان، تُطعمُ رجلَها بفرحٍ، وتُعطّرُ البيت بعطرِ محبّتِها وصبرها، وتجمّله بفضائلها.
المرأةُ المسيحيّة بإمكانها أن تحوّل بيتها إلى فردوسٍ حقيقيّ، عندما تقفُ بصمتٍ أمام رجلها كمَريَم أخرى. وكمسيحيّةٍ تدعمُ بيتها بصلاتها خلالَ المحن والشدائد، وتواجهُ ببأسٍ الأزمات والشدائد.
تقوم بدورها كأمٍّ حقيقيّة مُضحّيةً بجمالها وأنوثتها، وتحاورُ أولادَها، وتجد طرُقًا لذلك، بنعمة الله، وبحنكتِها وذكائِها.
أيّتها النساءُ المسيحيّات، كلّ ما يقدّمهُ العمرُ اليومَ قناعٌ كاذبٌ، فلا تنخدعنَ. رجاءً حاورنَ فتياتَكنّ وشبّانكنّ بحنكةِ المسيح مع السامريّة! لا تقدّمن فقط المأكلَ والمشربَ والملبسَ.
هذا طبيعيّ، ولكنّ المرأةَ المسيحيّة تقدّمُ، فضلاً عن ذلك، تربيةً مسيحيّةً، مقدِّمةً عائلتها إلى الله بدموعٍ ورضًى.
على المرأةِ المسيحيّةِ أن تعلّمَ أولادها الصلاة، وبصبرها تجذبُ زوجها إلى عالمِها. كما حملت النسوةُ الطيوبَ إلى المسيح الطاهرِ، هكذا أحضِرن طيبَ المسيحِ القائمِ إلى عائلاتِكنّ، لأنكنّ أنتنّ أيضًا من تلميذات المسيح. الكنيسةُ اليوم تنتظر منكنّ النور الذي حملته هؤلاءالنسوة وبشّرن به بالقيامة.
هكذا أنتنّ احملنَ هذا النور عينه إلى حياتكنّ وحياة أولادكنّ وأزواجكنّ والمجتمع.
في الختام، قد يكون هذا الموضوع موضوع نقاشٍ لسطحيّةِ إنسانِ اليوم. لذلك، وبكلّ جرأة، نقول إنّنا نريد في عالم اليوم إيمانًا حقيقيًّا مبنيًّا على الصخرة.
لقد شبع العالم فتورًا وانحلالاً للأخلاق والقيم الإنسانيّة والمسيحيّة. الكنيسة اليوم بحاجةٍ إلى مَثَلٍ جديدٍ يجابهُ هذا العالم ببأسِ الشهداء وجلادتهم.
لا يكفي فقط أن نرمي مسؤوليّةَ التربية على الكهنةِ والمدرسة، والجهتان مقصّرتان. نريدُ نساءً مؤمناتٍ على شبه القدّيسات الشهيدات المؤمنات. هذا الكلام ليس رجعيًّا ولا عفا عنه الزمن، كلاّ، فالمسيح لا يشيخ، وحياة الكنيسة ليست موضةً بَطُلت.
ما نحتاجه اليوم كلّنا هو الشجاعة كي نقول "كلاّ" لكلّ ما يبعدنا عن قيم الإنجيلِ وتعليم الكنيسة، لكي تبقى البركة والنعمة، أللّهمّ إن كنّا ما زلنا نؤمن بذلك اليوم. آمين!