اللَّحن السابع الإيوثينا الثامنة
* 22: مريم المجدليَّة المعادلة الرُّسل، الشَّهيدة في العذارى مركيلا، * 23: نقل عظام الشّهيد في الكهنة فوقا أسقف سينوبي، النبيّ حزقيال، * 24: الشّهيدة خريستينا، *25: رقاد القدّيسة حنّة أمّ والدة الإله الفائقة القداسة، * 26: الشّهيد في الكهنة أرمولاوس، الشّهيدة باراسكيفي، * 27: الشّهيد بندلايمون الشّافي، البارّة أنثوسة المعترفة، * 28: بروخورس ونيكانور وتيمن وبرميناس الشمامسة، إيريني خريسوسوفلاندي.
القدّيسان الزوجان بطرس وفيفرونيّا
هناك العديد من القدّيسين الذين كانوا ذبيحة طاهرة، بواسطة سيرتهم الفريدة، المليئة بالمحبّة والإيمان، وقد جذبوا الناس ليحذوا حذوهم، فيرتقوا إلى عرش النعمة.
لفتتني سيرة القدّيسَين الزوجَين، الأمير بطرس وزوجته الأميرة فيفرونيّا الرّوسيّين، فرأيت أنّه من المفيد مشاركتكم إيّاها، لتتمكّنوا من الاِستفادة منها، وخاصّة المتزوّجين منكم والذين هم على وشك الزواج في موسم هذا الصيف.
احتفلت الكنيسة، في روسيا، بعيد القدّيسَين بطرس وفيفرونيّا في الثامن من هذا الشهر (الموافق 25 حزيران شرقيّ)، وهو اليوم الذي تقيم فيه البلاد الرّوسيّة عيد الزواج والعائلة.
عاش القدّيسان في مدينة موروم، في مقاطعة فلاديمير شرق موسكو. استلم الأمير العرش في سنة 1203، ثمّ ما لبث أن عانى من مرض صعب وخطير. لم يستطع أحد من الأطبّاء شفاءه.
أمّا فيفرونيّا فكانت فلّاحة من عامّة الشعب، امرأة جميلة، تعالج المرضى بالأعشاب. علمت فيفرونيّا بمرض الأمير ووعدته أن تشفيه، شرط أن يتزوّجها. فوافق الأمير ولكنّه، حين شفي من المرض، لم يفِ بوعده فيفرونيّا بالزواج منها، لأنّها من عامّة الشعب.
عاد المرض مجدّدًا ليفتك بالأمير بعد فترة، فعادت فيفرونيّا وعالجته من جديد، وهذه المرّة من دون أيّ شرط مسبق. فشُفي الأمير
وتزوّج من فيفرونيّا، وكان حبّهما بعضٍ لبعض حبًّا عميقًا غذّته النعمة الإلهيّة وصلواتهما المشتركة، طيلة حياتهما.
عانَيا، كسائر المتزوّجين، من مشاكل جمّة. فقد رفضت طبقة النبلاء أن تكون فيفرونيّا أميرة عليهم، كونها فلّاحة من عامّة الشعب، وطلبوا من الأمير زوجها أن يتركها وينفصل عنها.
لكنّ الأمير فضّل أن يهرب مع زوجته وأن يترك الغنى والعرش، في سبيل مخافة الله، إخلاصًا لزوجته، حفاظًا على تعاليم آباء الكنيسة وإجلالاً لنعمة الرّوح القدس التي جعلت منهما، يوم زفافهما، جسدًا واحدًا.
لم يستطع أحد من النبلاء أن يدير دفّة الحكم في البلاد، بعد تخلّي الأمير عن عرشه، فأرسلوا يطلبون من الأمير بطرس وزوجته العودة لإدارة البلاد. فعادا إلى المدينة وعاشا زمانًا طويلاً حياة مقدّسة.
انتقل كلّ منهما، في أواخر سني حياتهما، إلى دَيرٍ، ليكملا حياتهما بالصلاة والعبادة.
وقد طلبا من الرّبّ أن يكون رقادهما في اليوم ذاته، كما طلبا أن يتمّ دفنهما في صندوقَين متلاصقَين بعضهما ببعض. رقد بطرس وفيفرونيّا، كلٌّ في قلّايته، في اليوم ذاته والساعة ذاتها في الثامن من تمّوز (الموافق 25 حزيران شرقيّ).
لم يُعمَل بوصيّتَيهما ليدفنا سويًّا في صندوقَين متلاصقَين، فتمّ دفنهما كلّ واحد في صندوق وفي منطقتَين مختلفَتَين.
في اليوم التالي وُجد الصندوقان واحدهما بقرب الآخر. تمّ نقل الرّفاتَين من جديد، ولمرّتَين، إلى كنيستين مختلفتين؛ وبالرّغم من ذلك، كانتا تعودان، بعضهما إلى جانب بعض، بطريقة عجائبيّة.
في النهاية، دفن الأمير وزوجته، جنبًا إلى جنب، داخل كاتدرائيّة ميلاد والدة الإله في موروم، ومن ثمّ تمّ الكشف عن رفاتهما، ووُضعت الرُّفات في الكنيسة ليتمكّن المؤمنون من التبرّك بها.
إنّ القدّيسَين، ومنذ إعلان قداستهما، شفيعان حارّان للمتزوّجين ومثالان للإخلاص الزوجيّ وللحياة الزوجيّة المثاليّة. يأتي كلّ سنة آلاف المؤمنين، من كلّ حدب وصوب، ليطلبوا من القدّيسَين أن يوفّقاهم في حياتهم الزوجيّة وحياة أولادهم المزمعين على الزواج.
أللهمّ، بشفاعاتهما كفّ الخلافات بين الأزواج. إزرع نعمتك في قلب كلّ منهم لكي يتحمّلوا صليب الزواج فينموا، بصلاتهم، إلى قامة ملء المسيح، ويُستشهَدوا في سبيل حبّهم لله وإخلاصهم للشريك. آمين.
طروباريَّة القيامة باللَّحن السابع
حطمتَ بصليبك الموتَ وفتحتَ للّصّ الفردوس، وحوَّلتَ نَوحَ حاملاتِ الطيب، وأمرتَ رسلكَ أن يكرزوا بأنّكَ قد قمتَ أيّها المسيحُ الإله مانحاً العالَمَ الرحمةَ العظمى.
يا شفيعةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالقِ غيْرَ المرْدودة، لا تُعرِضي عَنْ أصواتِ طلباتنِا نَحْنُ الخَطأة، بَل تداركينا بالمعونةِ بما أنّكِ صالِحة، نحنُ الصارخينَ إليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعةِ وأَسرعي في الطِّلبةِ، يا والدةَ الإلهِ المتَشفّعةَ دائماً بمكرِّميك.
الربُّ يُعطي قوَّةً لشعبِه قدِّموا للربِّ يا أبناءَ الله
يا أخوةُ، أطلُبُ إليكم، باسم ربِّنا يسوعَ المسيحِ، أن تقولوا جميعُكم قولاً واحداً وأن لا يكونَ بينكم شِقاقاتٌ بل تكونوا مكتمِلين بفكرٍ واحدٍ ورأيٍ واحد. فقد أخبرني عنكم، يا إخوتي، أهلُ خُلُوي أنَّ بينَكم خصوماتٍ، أعني أنَّ كلَّ واحدٍ منكم يقول أنا لبولُسَ أو أنا لأبلُّوسَ أو أنا لصفا أو أنا للمسيح. ألعلَّ المسيحَ قد تجزَّأ؟ ألعلَّ بولسَ صُلبَ لأجلكم، أو باسم بولسَ اعتمدتم؟ أشكر الله أنّي لم أعمِّد منكُم أحداً سوى كرِسبُسَ وغايوسَ لئلّا يقولَ أحدٌ إنّي عمَّدتُ باسمي. وعمَّدتُ أيضاً أهلَ بيتِ استفاناس. وما عدا ذلك فلا أعلَمُ هل عمَّدتُ أحداً غيْرَهم. لأنَّ المسيحَ لم يُرسلْني لأُعمِّدَ بل لأبشِّرَ، لا بحكمةِ كلامٍ، لئلّا يُبطَلَ صليبُ المسيح.
في ذلك الزمان أبصر يسوع جمعًا كثيراً فتحَّنن عليهم وأبرَأ مرضاهم.
ولمَّا كان المساءُ دنا إليهِ تلاميذُهُ وقالوا إنَّ المكانَ قَفْرٌ والساعةَ قد فاتَت، فاصْرِفِ الجموعَ ليذهبوا إلى القرى ويبتاعوا لهم طعامًا. فقال لهم يسوع: لا حاجةَ لهم إلى الذهاب، أَعْطُوهُم أنتم ليأكلوا.
فقالوا لهُ: ما عندنا ههنا إلاَّ خمسةُ أرغفةٍ وسمكتان. فقال لهم: هلمَّ بها إليَّ إلى ههنا، وأمر بجلوسِ الجموع على العشب.
ثمَّ أخذ الخمسَةَ الأرْغِفَةَ والسمكتَيْنِ، ونظر إلى السماءِ وبارَك وكَسَر، وأعطى تلاميذه الأرغِفَةَ، والتلاميذُ أعطَوا الجموعَ، فأكلوا جميعُهم وشبعوا، ورفعوا ما فَضَلَ من الكِسَرِ اثنَتيْ عَشْرَةَ قُفَّةً مملوءةً.
وكان الآكِلونَ خمسَةَ آلافِ رجلٍ سوى النساءِ والصِّبيان. وللوقتِ اضْطَرَّ يسوعُ تلاميذَهُ أن يدخلوا السفينَةَ ويسبِقوهُ إلى العِبْرِ حتّى يصرِفَ الجموع.
الله خلق الإنسان على صورته ومثاله وأحبّه، وقد أرسل ابنه الوحيد يسوع المسيح، له المجد، لكي يخلّصه من الموت والخطيئة والألم والجوع، ويحفظ نفسه وجسده من كلّ مكروه، وهذا ما حصل في هذه المعجزة التي اجترحها له ليغذّي جسده بالخبز والسمك، ويغذّي روحه بالكلمة الإلهيّة المحيية. لأنّ الإنسان لا يحيا بالخبز فقط، بل بكلّ كلمة تخرج من فم الله.
في هذه المعجزة جاع الناس، وهم كثر، ولم يعد للتلاميذ من طعام يقدّمونه لهم. وببركة الرّبّ يسوع، أكل ما يزيد على خمسة آلاف شخص، إذ كثّر خمسة أرغفة وسمكتين، وهذا حدث عجائبيّ مميَّز، يخفي في طيّاته مدلولاتٍ إيمانيّةً ولاهوتيّة عميقة. يخبرنا الإنجيليّ متّى أنّ الرّبّ يسوع أراد أن ينفرد، والأرجح ليصلّي (متّى 14: 23)، لكنّ "الجموع تبعوه مساءً من المدن" (متّى 14: 13)، فعندما أبصرهم "تحنّن عليهم وأبرأ مرضاهم". يسوع يتحنّن دائماً علينا ويشفي مرضانا، لأنّه أخذ أسقامنا وحمل أمراضنا (متّى 8: 7).
وهذا يعني أنّ يسوع جعل نفسه معنيًّا بمعاناة البشر، وشريكاً لهم في ضعفاتهم، وعندها انعكس على الطبيعة البشريّة صحّة وسلامة. وهذا يُظهر أنّ الرّبّ يسوع إلهٌ، لأنّه اجترح هذه المعجزة، وإنسان، لأنّه تحنّن على الإنسان.
يخبرنا الإنجيليّ متّى أنّ الرّبّ يسوع "نظر إلى السماء وبارك وكسر وأعطى الأرغفة للتلاميذ". وهذه التعابير نفسها ترد في العشاء الأخير السرّيّ، إذ، فيما التلاميذ يأكلون، "أخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطى التلاميذ (متّى 26: 26).
هكذا يتّضح أنّ عجيبة تكثير الخبز تُفهَم في إطار سرّ الشكر، إطار مناولة جسد الرّبّ يسوع المسيح ودمه، كما تتمّ في القدّاس الإلهيّ.
تكثير الخبز يأتي نتيجة للعمل الخلاصيّ الذي سيتمّمه الرّبّ يسوع على الصليب، وصورة الخبز تشير إلى جسد الرّبّ يسوع الذي سيستحيل بالصليب "خبز الحياة الأبديّة"، إذ يقول الرّبّ يسوع "أنا هو خبز الحياة".
وهنا نتساءل: نحن هل نأتي لنشارك في تناول جسد ربّنا ومخلّصنا يسوع ودمه في خدمة القدّاس الإلهيّ لغفران خطايانا وللحياة الأبديّة؟
أمر الرّبّ يسوع تلاميذه بتوزيع الطعام على الجموع وهم قاموا بهذا الدور. وهذا يدفعنا، نحن تلاميذه أيضًا، أن نقتدي بهم، ونوزّع غذاء الرّوح والجسد على أبنائنا المؤمنين الجائعين إلى الخبز الأرضيّ والخبز السماويّ، إلى غذاء الجسد والرّوح معًا؛ فهل نحن فاعلون؟
عندما بارك يسوع الخبز والسّمك "رفع نظره نحو السماء" ليعلّمنا أنّنا في الصلاة يجب أن نوجّه أنظارنا إلى الله، كأبينا "الذي في السّمَوات"، لأنّه منه تنحدر كلّ موهبة ونعمة.
وهذا ما يدفعنا لكي نصلّي باستمرار وليس فقط في أوقات الشدّة والضيق، بل في كلّ حين نحتاج إلى النعمة الإلهيّة، وهو حتماً سيستجيب لأنّه هو الذي وعدنا وقال: "أطلبوا تجدوا اقرعوا يفتح لكم".
فمن يتّكلّ على الله لا يَخِبْ أمله؛ فالأغنياء افتقروا وجاعوا، وأمّا الذي يتّكلون عليه فلن يجوعوا إلى الأبد، ولن يعوزهم أيّ خير.
فيما نعيّد اليوم للقدّيسة مريم المجدليّة التائبة والتي أخرج الرّبّ يسوع المسيح منها سبعة شياطين وصارت رسولة ومبشِّرة بخلاص الرّبّ، لا بدّ من أن نتساءَل: ما هي التوبة المباركة التي تغيّر الإنسان وتنقله من ضفّة الهلاك إلى ضفّة الخلاص؟
ما دامت الخطيئة انفصالاً عن الله، فالتوبة إذن هي رجوع إلى الله. والرّبّ يقول في ذلك: "ارجعوا إليّ، أرجع إليكم" (ملا 3: 7).
التوبة هي حنين الإنسان إلى مصدره الذي أخذ منه الوجود.
هي اشتياق قلب ابتعد عن الله ثمّ شعر أنّه لا يستطيع أن يبعد أكثر. ما دامت الخطيئة خصومة مع الله، تكون التوبة هي الصلح مع الله، وهذا ما ذكره الرّسول بولس إذ قال:
"إذن نسعى كسفراء في سبيل المسيح... تصالحوا مع الله" (2 كو 5: 20). والتوبة لا تقتصر على الصلح، إذ بها يعود الله ويسكن في قلوبنا ليطهّرنا من خطايانا، والكتاب المقدّس يقول "أيّة شركة للنور مع الظلمة؟" (2 كو 6: 14).
التوبة هي يقظة روحيّة، فغالباً ما يكون الإنسان غافلاً لا يحسّ ما هو فيه، لذلك يخاطبه الكتاب المقدّس قائلاً "إنّها الآن ساعة لتستيقظ من النوم" (رو 13: 11).
ولعلّه بهذا المعنى اعتبرت التوبة رجوعَ الإنسان إلى نفسه ورجوع القلب إلى حرارته، ورجوع الضمير إلى عمله. وقد قيل عنِ الاِبن الضالّ في توبته: "فرجع إلى نفسه" (لو 15: 17)، أي أنّه عاد إلى وعيه، إلى تفكيره، إلى إدراكه الرّوحيّ.
ما دامت الخطيئة تُعتبَر موتاً روحيًّا، حسب قول الكتاب عن الخطأة إنّهم "أموات بالخطايا" (أف 2: 5)، تكون التوبة انتقالاً من الموت إلى الحياة؛ وفي ذلك يقول القدّيس بولس الرّسول:
"استيقظ أيّها النائم وقم من بين الأموات فيضيءَ لك المسيح" (أف 5: 14). والقدّيس يعقوب الرّسول يؤكّد المعنى نفسه إذ يقول:
"من ردّ خاطئاً عن طريق ضلاله يخلّص نفساً من الموت ويستر كثرة من الخطايا" (يع 5: 20). إنّ التوبة هي قيامة للرّوح، لأنّ موت الرّوح هو انفصال الرّوح عن الله.
عسى الله أن يمنحنا هذه التوبة الخلاصيّة قبل فوات الأوان، والسبح لله دائماً.