الأحد 12 تشرين الثّاني 2017
12 تشرين الثاني 2017
الأحد 12 تشرين الثّاني 2017
العدد 46
الأحد 23 بعد العنصرة
اللَّحن السادس الإيوثينا الأولى
* 12: يوحنّا الرّحوم رئيس أساقفة الإسكندريّة، البارّ نيلس السِّينائيّ. * 13: يوحنّا الذهبيّ الفم رئيس أساقفة القسطنطينيّة، * 14: الرسول فيلبُّس، غريغوريوس بالاماس، * 15: الشهداء غورياس وصاموناس وأفيفس، بدء صوم الميلاد، * 16: الرّسول متّى الإنجيليّ، * 17: غريغوريوس العجائبيّ أسقف قيسارية الجديدة،
* 18: الشهيدان بلاطن ورومانس.
بركة صغيرة تجلب البركات
على مثال المعلّم اهتمّ الرّسول بولس بمساعدة الفقراء. فكما كان الربّ يسوع يجمع تبرّعات في صندوق الفقراء، أخذ الرّسول بولس على عاتقه مهمّة جمع هبات من الكنائس التي بشّرها. فنظّم رحلة تبشيريّة جال خلالها على هذه الكنائس معلّمًا الروحيّات، ومشجّعًا المؤمنين، في الوقت عينه، على إظهار تعاضدهم مع إخوتهم في اليهوديّة، أولئك الذين عانَوا جدًّا من المجاعة العظيمة التي ضربت المسكونة (أعمال الرّسل ١١: ٢٨-٢٩). وقبل قدوم الرّسول بولس إلى المؤمنين، أشار عليهم أن يضعوا جانبًا، كلّ يوم أحدٍ، ما تيسّر لهم من المال، حتّى، إذا ما حضر بينهم، لا يضيّع الوقت في جمع الهبات، بل يكتفي باختيار من سيحمل رسالة منه مع التبرّعات إلى مسيحيّي أورشليم (١ كور ١٦: ١-٢).
علّمهم الرسول بولس أن يحسبوا تبرّعهم بركةً لهم، وألّا يسود هوى البخل عليهم (٢ كور 5:9). يُعتبر عملُهم الخيّر بركةً، لأنّه سيجلب لهم بركات الله. لذا، ينصحهم الرّسول بأن يُعطوا كمن يزرع بالبركة لا بالشحّ، فهكذا سيحصدون بالبركة أيضًا، أللّهمّ إن أعطَوا بسرورٍ ومن كلّ قلبهم، “لأنّ الله يحبّ المعطي المسرور” (٢ كور ٩: ٧). ومن يطيع صوت الله الذي يحثّه على البذل من أجل الإخوة سيحصد كلّ نعمة. فالله قادر على أن يُفيض نعمه بسخاء على الذين يُسَرّ
بهم، لكي يكونوا مكتفين، ويتمكّنوا من أن يُحسنوا كما أحسن الله إليهم (٢ كور ٩: ٨). وتجدر الإشارة إلى أنّ صورة "الزرع" في العهد الجديد ترمز إلى المساهمة في انتشار الإنجيل، بينما ترمز صورة "الحصاد" إلى مكافأة الله أو دينونته.
إنّ الله، الذي يعطي بذارًا للزارع، هو ينمّي غلّة برّ المحسنين ويكثّرها. ونتعلّم من تسليم الكنيسة عن التجارة الجيّدة التي مفادها الآتي: أن يقدّم المرء بركة واحدة فيحصد بعد ذلك بركات كثيرة (2 كور 10:9). هكذا تولّد طاعةُ المسيح الإله غنىً مضاعفًا، على صعيد خيرات الأرض وعلى صعيد خيرات السماء على حدٍّ سواء (2 كور 11:9 أ).
ثمّ إنّ الغنى الذي يأتي بالبركات الإلهيّة لا بدّ من أن يجعل متلقّف البركة سخيًّا جدًّا (2 كور 11:9 ب)، فيزداد الشكر لله. لا ينحصر خير العطاء في سدّ إعواز “القدّيسين” المحتاجين فقط، بل إنّه ينجح أيضًا في زيادة الشكر لله (2 كور 12:9). أنت تطيع الله عندما تعطي أخاك المحتاج، فتفرج عنه فيفرح، ثمّ يشكر الله على طاعة اعترافك بالإنجيل وكرم مشاركتك الخيرات معه ومع الآخرين، أي على إيمانك العامل بالمحبّة (غل ٥: ٦). إنّك في عطائك تُقرض الله والقريب المحتاج، فهل يدعك الله تكون أكرم منه؟ حاشا! سيكافئك الله مِائة ضعف على ما قدّمت باسمه. لهذا مغبوطٌ هو العطاء!
هكذا اعتاد رسول الأمم أن يعلّم تلاميذه وجميع المؤمنين في الكنائس التي بشّرها (راجع ١ كور ١٦: ١). نحن هنا أمام توجيه كان الرسول بولس يعطيه لكلّ كنيسة. وفي الكلام الوجدانيّ الذي خاطب به قسوس كنيسة أفسس في ميليتس، يخبرنا هو نفسه عن اجتهاده في أن يُظهر لهم، بعمله وتعبه الشخصيَّين، كم ينبغي لهم أن يتعبوا ويُضحّوا لمساعدة الضعفاء والفقراء، مقتديًا بكلام المعلّم، ربّنا يسوع المسيح، الذي قال: “مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الأَخْذِ” (أعمال الرسل ٢٠: ٣٥).
إنّ كلام الربّ صادق؛ فلنجتهد إذًا، نحن أيضًا يا إخوة، في زرع البركات الصغيرة، لكي نحصد البركات الكُبرى، خلاصَ نفوسنا.
الأرشمندريت يعقوب خليل
معهد القدّيس يوحنّا الدمشقيّ اللّاهوتيّ
طروباريَّة القيامة باللَّحن السّادس
إنَّ القوّاتِ الملائكيّةَ ظهروا على قبرك الموَقَّر، والحرّاسَ صاروا كالأموات، ومريمَ وقفت عندَ القبر طالبةً جسدَك الطاهر. فسَبيْتَ الجحيمَ ولم تُجرَّب منها، وصادفتَ البتولَ مانحاً الحياة. فيا من قامَ من بين الأمواتِ، يا ربُّ المجدُ لك.
طروباريّة القدّيس يوحنّا الرّحيم باللحن الثّامن
بصبرك قد نلتَ ثوابَكَ أيّها الأبُ البارُّ معتكفاً على الصلوات بغير انقطاعٍ، محبّاً المساكين وكافياً إيّاهم. فتشفّع إلى المسيح الإله، يا يوحنّا الرّحيم المغبوط، أن يخلّص نفوسنا.
قنداق دخول السيّدة إلى الهيكل باللحن الرّابع
إنّ الهيكل الكلّيَّ النَّقاوة، هيكلَ المخلّص، البتولَ الخِدْرَ الجزيلَ الثَّمن، والكَنْزَ الطاهرَ لْمجدِ الله، اليومَ تَدْخُلُ إلى بيتِ الرَّبّ، وتُدخِلُ معَها النِّعمةَ التي بالرّوح الإلهيّ. فَلْتسبِّحْها ملائكةُ الله، لأنّها هي المِظلَّةُ السَّماويّة.
الرِّسالَة
2 كو 9: 6-11
لتكُنْ يا ربُّ رحمتُك علينا كمِثلِ اتّكالِنا عليك
ابتهِجُوا أيُّها الصدِّيقونَ بالربّ
يا إخوةُ، إنَّ مَن يزرَعُ شَحيحاً فَشَحيحاً أيضاً يحصُدُ، ومَن يزرَعُ بِالبَرَكاتِ فبالبَرَكاتِ أيضاً يحصُد، كلُّ واحدٍ كما نَوى في قلبِهِ عَن ابتِئَاسٍ أو اضطرار.ٍ فإنَّ الله يُحبُّ المُعطيَ المتهلِّل. واللهُ قادِرٌ على أن يَزيدَكم كُلَّ نِعمةٍ حتَّى تكونَ لكم كُلُّ كِفايةٍ كُلَّ حينٍ في كُلِّ شَيءٍ، فتَزدادوا في كُلِّ عَمَلٍ صالح، كما كُتبَ: إنَّهُ بَدَّدَ، أعطى المساكينَ، فَبِرُّهُ يدومُ إلى الأبد. والذي يَرزُقُ الزارعَ زرعًا وخُبزاً للقُوتِ يَرزُقُكم زرعَكم ويكثِّرُهُ ويَزيِدُ غِلالَ بِرِّكم، فتَستغنُونَ في كُلِّ شَيء لكًلِّ سَخاءٍ خالِصٍ يُنشئُ شُكراً لله.
الإنجيل
لو 10: 25-37 (لوقا 8)
في ذلك الزمان دنا إلى يسوعَ ناموسيٌّ وقال له مجرِّبًا: يا معلّمُ، ماذا أعملُ لأرِثَ الحياةَ الأبديَّة؟ فقال لهُ: ماذا كُتِبَ في الناموس؟ كيف تقرأُ ؟ فأجابَ وقال: أحبِبِ الربَّ إلهكَ من كلِّ قلبِك ومن كلّ نفسِك ومن كلّ قدرتِك ومن كلّ ذهنِك، وقريبَك كنفسِك. فقال لهُ: بالصواب أجبتَ؛ إعمَلْ ذلك فتحيا. فأراد أن يُزكِّيَ نفسَهُ فقال ليسوعَ: ومَن قريبي؟ فعاد يسوع وقال: كان إنسانٌ منحدِراً من أورشليمَ إلى أريحا فوقع بين لصوصٍ، فعَرَّوهُ وجرَّحوهُ وتركوهُ بين حيٍّ وميتٍ. فاتَّفق أنَّ كاهناً كان منحدراً في ذلك الطريقِ، فأبصرَهُ وجاز من أمامهِ، وكذلك لاوِيٌّ أتى إلى المكانِ فأبصرَهُ وجازَ مِن أمامِه. ثمَّ إنَّ سامِريًّا مسافِرًا مرَّ بِه فلمَّا رآهُ تحنَّن، فدنا إليهِ وضَمَّدَ جراحاتهِ وصَبَّ عليها زيتاً وخمراً وحملهُ على دابَّتهِ وأتى بهِ إلى فندقٍ واعتنى بأمرِهِ. وفي الغدِ، فيما هو خارجٌ، أخرَجَ دينارين وأعْطاهما لصاحِب الفندقِ وقالَ لهُ: اعتَنِ بأمرهِ، ومهما تُنفق فوقَ هذا فأنا أدفَعُهُ لك عند عودتي. فأيُّ هؤُّلاءِ الثلاثةِ تَحسَبُ صار قريباً للّذي وقع بين اللّصوص؟ قال: الذي صنع َ إليهِ الرحمة. فقال لهُ يسوع: امضِ فاصْنَع أنتَ أيضاً كذلك.
في الإنجيل
يضع أمامنا إنجيل اليوم هذا الحوار الذي حصل بين الربّ يسوع والناموسيّ الذي يحمل في جوهره معنى الحياة المسيحيّة والسير بمقتضى الناموس الجديد وهو المحبّة.
قال الرّسول بولس: "يسوع المسيح هو هو أمسِ واليوم وإلى الأبد"؛ وقد عنى بذلك أنّ الربّ الكلمة هو الذي تكلّم قديماً بالشريعة وهو الذي ظهر لنا بالجسد وعلّمنا عن الحياة الأبديّة وعن الطريق المؤدّيَة إلى الفرح الرّوحيّ، وهو الملك الأزليّ الذي سيملك في "أورشليم العلويّة" إلى الأبد.
الناموسيّ في الإنجيل يمثّل الشعب الذي لم يسلك بجوهر الوصيّة الإلهيّة (الناموسيّون هم الذين تمسّكوا بالكتب الخمسة الموسويّة، أمّا الكتبة فهم الذين اعتقدوا بالأسفار الموجودة في العهد القديم). يأتي الناموسيّ إلى الربّ لا بروح الصّلاة وطلب المعرفة، بل بروح الاِفتخار والتباهي بمعرفته ناموسَ موسى، ويسأله مجرّباً إيّاه: "يا معلّم ماذا أعمل لأرث الحياة الأبديّة؟". سؤال يخطر بذهن كلّ إنسان مؤمن يريد الخلاص والسكن بجوار الربّ. يعيد الربّ يسوع الناموسيّ إلى كتب الشريعة الملخَّصة بهاتين الوصيّتين: "أحبب الربّ إلهك من كلّ قلبك ومن كلّ نفسك ومن كلّ قدرتك ومن كلّ ذهنك، وقريبك كنفسك". الرّابط الجوهريّ في الوصيّتين هو المحبّة: محبّة الله ومحبّة القريب.
الله هو أبونا، لذلك محبّته يجب أن تكون بكلّ الكيان البشريّ. لماذا يطلب الربّ القلب؟ "يا بنيّ أعطني قلبك". المقصود بذلك أن تكون لله بالكلّيّة، فلا ينقسم قلبك بين محبّة الله ومحبّة العالم، "لأنّ من يحبّ العالم فقد صار عدوّاً لله" (يعقوب 4: 4) . ومن ثمّ يطلب النفس لكي ينقّيها من الشهوات التي تذهب بالإنسان إلى الظلمة الرّوحيّة. فالقلب الذي اتّخذ قراراً باختيار الربّ سيّداً عليه، يفسح مجالاً للنفس لتشتهي لذّة العشرة مع الله. وبعد ذلك يطلب الربّ منّا أن نحبّه بكلّ قدرتنا لكي تعمل فينا إرادة الإنسان مع الإرادة الإلهيّة. النعمة الإلهيّة تؤازر الإنسان في عمليّة التنقية والاِستنارة. والفكر يجب أن ينشغل بالصلاة والتسبيح... وعندنا في الكنيسة الأرثوذكسيّة صلاة صغيرة تسمّى بصلاة الربّ يسوع أو الصلاة القلبيّة: "ربّي يسوع المسيح، إرحمني". هذه الصلاة المختبرة من الآباء في كنيستنا تجعل الفكر مرتبطاً بالمسيح ومعترفاً بربوبيّته وألوهيّته وبطلب الرّحمة، أحبب قريبك كنفسك.
مَن قريبي؟ القريب هو كلّ إنسان مخلوق على صورة الله. عندما تنظر إلى الإنسان، عليك أن ترى المسيح في وجهه! وعندما تراه بعين الربّ، تحترمه، ترأف به، تساعده، ترحمه، تتعاون معه، تسمع له، تفرح بلقياه وتحبّه بالربّ محبّة أخويّة... بتعبير آخر، "تسكب عليه زيتاً وخمراً"، كالسامريّ الصالح. السامريّ في الإنجيل هو الربّ يسوع الذي يرحم من يطلب الرّحمة عملاً بقوله في الكتاب المقدّس: "إنّي أريد رحمة لا ذبيحة".
الإفتخار
الإنسان كائن يثير الذهول والعجب. هو قادرٌ على الإبداع في مواجهة الكون وما يحيط به من مظاهر طبيعيّة ومصاعب حياتيّة. تراه يكتشف كلّ ما يحيط به من أسرار وقوانين ويسخّرها لمنفعته، بدءًا من اكتشاف النّار وصولاً إلى ما نشهده اليوم في عالم التكنولوجيا والاِتّصالات. من خلالها تمكّن من تخطّي عامل المكان ليسود الكرة الأرضيّة وما فيها وما حولها. المؤمن لا يتفاجأ بإنجارات الإنسان، ذلك أنّ الله قد سلّطه على مخلوقاته بأسرها، حتّى أنّ خَلْقَه للإنسان كان "ليتسلّط على سمك البحر وطير السماء وجميع الأرض وكلّ الدبّابات الدابّة على الأرض" (تك 1: 26). لا مشكلة عند المؤمن في أن يرى هذا المبلغ من التقدّم الإبداعيّ. هو يدرك أنّ إبداعيّة الإنسان تكمن في كونه خُلق "على صورة الله كمثاله". فالآية التي ذكرت تبدأ بـ "وقال الله لنصنع الإنسان على صورتنا كمثالنا وليتسلّط...". فرادة الإنسان وسلطته يكمنان في صورة الله التي زُرعت به عند خلقه. هي ليست منه، من جهة طبيعته الحيوانيّة. وما يؤكّد هذا عدم قدرة الحيوانات على الإبداع والتسلّط، فالحيوان لم تُبْذَر فيه صورةُ الله.
المشكلة في إبداعيّة الإنسان أنّه قد سَكِرَ بإبداعاته وسلطته، التي هي هبة من الله كونه الخالق الوحيد، ورَدَّها إلى ذاته فافتخر بها لدرجة ظَنِّه أنّه الإله وأنّ سلطته على الأرض هي من ذاته وليست وكالة من خالقه الذي أحبّه ودعاه ليحبّ الأرض وما فيها، فيسودها بالحبّ والعناية لتصبحَ مطرحاً لمجد الله فيغمر هذا المجد كلّ الخليقة. تَوَقَّفَ الإنسانُ عند ذاته وتنكَّر لصورة الله التي فيه وأراد أن يجعل كلّ ما في الأرض لخدمة أناه. هذا هو واقع الخليقة العتيقة الساقطة.
هذا ما رآه الرسول بولس في يهوديّة زمنه التي باتت تفتخر بما أنعم الله به عليها من قدرات وعطايا وشرائع. افتخرت بالنِعم والقدرات والعطايا والشرائع وتجاهلت المنعم والقادر والمعطي والمشرّع. توقّفت عند القلفة والختان ونسيت أنّها أمرٌ من الله لا ليفتخروا بأجسادهم بل بالله. فهو اختار إبراهيم حين كان وحيداً مع سارة دون نسل ودون حضارة ودون أمّة ودون شريعة. طلب إليه أن يصنع بيده علامة في جسده ليتذكّر، هو ونسله من بعده، أنّه مُلْكٌ لله الذي أحبّه دون مقابل وليس أنّ الله مُلْكٌ له ولنسله. عليه أن لا يفتخر بالختان الذي هو من صنع يديه بل بالله الذي أحبّه حين كان تائهاً في البراري دون كلّ الشعوب المتحضّرة حوله. أحبّه لينقل حبّه للآخرين وليتذكّر أنّه من دون الله "دودة لا إنسان". لقد أدرك داود النبيّ، في سقطته، أنّه، في تغرّبه عن الله واتّباعه هوى شهواته، فَقَد إنسانيّته لأنّه تنكّر لصورة الله التي فيه ونسي الحبّ الذي مَنَّ اللهُ به عليه.
اكتشف بولس الرسول صليب المسيح واكتشف معه الحبّ الإلهيّ الذي غفل عنه والذي أغدقه الربّ عليه يوم كان يضطهده. أدرك أنّ افتخاره بيهوديّته وفرّيسيّته قد أعمى بصيرته وحوّله إلى مسخٍ شوّه صورة الله المحبّ التي فيه. عاد إلى المحبّة الخالقة، إلى جذور الوجود، إلى الصورة الإلهيّة، إلى الله الذي أبدع حبًّا، إلى المسيح الذي صُلب حبًّا. عاد ليحوّل إنسانيّته العتيقة إلى خليقة جديدة ويعيدها إلى بهاء صورته. "فلا الختان بشيء ولا القلف بشيء بل الخليقة الجديدة" (غلاطية 15:6).
وليدرك المسيحيّون اليوم أنّهم، إذا صاروا خارج صورة الله، خارج ذِكْرِ اللّمسةِ الإلهيّة المحبَّة، خارج صليب المسيح، لن يقوموا في المحبّة وسيبقَون أسرى دائرة الاِفتخار بما صنعت أيديهم، ولن يدركوا صُنْعَ يدي العليّ فيهم. ستكون كلّ فضائلهم وأصوامهم وصلواتهم وحضاراتهم "كخرقة الطامث" (الأفشين الخامس لصلاة تقديس الزيت)؛ ستكون من صنع أيديهم. فلا نفتخرنَّ بما صنعت أيدينا بل بما صنعت يدُ العليّ فينا.