الأحد 17 كانون الأوّل 2017

الأحد 17 كانون الأوّل 2017

17 كانون الأول 2017
الأحد 17 كانون الأوّل 2017     
العدد 51
 
أحد الأجداد القدّيسين
 
اللَّحن الثالث        الإيوثينا السادسة
 
 
* 17: النبيّ دانيال والفتية الثلاثة، ديونيسيوس أسقف آجينة، * 18: الشهيد سابستيانوس ورفقته، موذستس أسقف أورشليم، * 19: الشهيد بونيفاتيوس، أغلائيس الروميَّة، * 20: تقدمة عيد الميلاد، إغناطيوس المتوشّح بالله أسقف أنطاكية مدينة الله العظمى. * 21: الشهيدة يولياني وثاميستوكلاوس، * 22: الشهيدة أناستاسيَّا،
* 23: بارامون ميلاد المسيح، الشُّهداء العشرة المستشهَدون في كريت. *
 
أحد الأجداد
 
لوقا يجعل الرّبّ يسوع يأتي ليس فقط من إبراهيم ولكن أيضًا من آدم. أراد أن يُعطي الطابع الإنسانيّ الشامل لشخص المسيح.
 
لذلك تقول الكنيسة اليوم في صلاة الغروب: "لقد زكّيتَ بالإيمان الآباء القدماء وبهم سبقت فخطبتَ البيعة التي من الأمم" أي الوثنيّين: منهم ملكيصادق الذي استقبل إبراهيم وعشّر له هذا الأخير كلّ شيء (عبرانيّين 7: 1). هو صورة عن الكاهن الأزليّ.
 
كان المسيح، قبل مجيئه على الأرض، مزروعة كلماته في بعض كتابات الشعوب الوثنية وثقافاتهم، وريثاً للحضارات القديمة في ما كان ينطبق على كلمات الإنجيل.
 
لقد دعا المسيح في إنجيل اليوم الجميع إلى ملكوته: أوّلاً شعبه، ثمّ الخاطئين (الجدع، العرج، العمي) وأخيراً الوثنيّين (في الشوارع والأزقّة). هو سرّ الأفخارستيّة الذي يؤسّس الكنيسة. نحن نتخلّف عن القدّاس الإلهيّ بسبب الاِهتمامات الدنيويّة: المال، الأعمال، العائلة....
 
الأفخارستيّة صورة عن الملكوت الآتي. من خلالها نتذوّق المجدَ الآتي والحياة الأبديّة. كيف تكون التهيئة؟ كيف لنا أن نصل إلى معرفة الله الحقيقيّة ومحبّته؟ "طوبى لأنقياء القلوب لأنّهم يعاينون الله". 
هذا يعني أنّه علينا أن نصفّي قلوبنا من كلّ ضغينة عن طريق الاِعتراف والتوبة. يقول القدّيس إسحق السريانيّ: "مَن يعترف بخطيئته هو أعظم ممّن يقيم الموتى".
 
نذكر أخيراً، في هذا الأحد، الفتية الثلاثة في الأتّون. نعيّد لهم مع دانيال النبيّ في 17 كانون الأوّل قبل الميلاد. يشبهون الملائكة الثلاثة الذين ظهروا لإبراهيم يمثّلون الثالوث.
 
كانوا يتمشَّون في الأتّون غير مبالين بالنّار بل فرحين بندى الرّوح: هم يمثّلون انتصار الإيمان على الموت؛ يخمدون بإيمانهم قوّة النّار. يمثّلون العلّيقة الملتهبة غير المحترقة، حرارة الحبّ الإلهيّ وأيضًا مولد المسيح من العذراء النّار التي لا تُحرِق. لم يُترَكوا وحدهم في أتّون النار بل ذُكر:
 
"إنّي أرى أربعة رجال  يتمشَّون في وسط النار وليس بهم ضرر ومنظر الرّابع يشبه ابن الإله" (أي المسيح غير المتجسّد) (دانيال 3: 92).
داخل الآلام البشريّة يرافقنا المسيح ابن الله وسط لهيب النّار ويندّينا.
 
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
 
طروباريَّة القيامة باللَّحن الثّالث
 
لتفرحِ السماويّات، ولتبتهج الأرضيّات، لأنّ الربَّ صنعَ عِزًّا بساعِده، ووطِئ الموتَ بالموتِ، وصار بكرَ الأموات، وأنقذنا من جوفِ الجحيم، ومنح العالـمَ الرحمةَ العُظمى.
 
 
طروباريّة الأجداد باللّحن الرّابع
 
لقد زكّيتَ بالإيمان الآباءَ القدماءَ، وبهم سبقتَ فخطبتَ البَيعة التي من الأمم. فليفتخر القدّيسون بالمجد، لأنْ مِن زَرْعهم أينع ثمر حسيب، وهو التي ولدَتْك بغير زرعٍ. فبتوّسلاتهم أيّها المسيح الإلهُ ارحمنا.
 
قنداق تقدمة الميلاد باللّحن الثالث
 
أليومَ العذراء تأتي إلى المغارة لتلدَ الكلمةَ الذي قبل الدهور ولادةً لا تُفسَّر ولا ينطقُ بها. فافرحي أيّتها المسكونةُ إذا سمعتِ، ومجّدي مع الملائكة والرعاة الذي سيظهرُ بمشيئته طفلاً جديداً، الإلهَ الذي قبل الدهور.
 
الرِّسالَة
كول: 3: 4-11
 
ما أعظمَ أعمالَكَ يا ربُّ        كلَّها بحكمةٍ صنعتَ 
باركي يا نفسِيَ الربَّ 
 
يا إخوةُ، متى ظهرَ المسيحُ الذي هو حياتُنا فأنتم أيضًا تَظَهرون حينئذٍ معهُ في المجد. فأمِيتوا أعضاءَكم التي على الأرض: الزِّنَى والنجاسةَ والهوى والشهوةَ الرديئةَ والطمعَ الذي هو عبادةُ وثَن، لأنَّهُ لأجلِ هذه يأتي غضبُ الله على أبناءِ العِصيان، وفي هذه أنتم أيضًا سلَكُتم حينًا إذ كنتمُ عائشينَ فيها. أمَّا الآنَ فأنتم أيضًا اطرَحوا الكُلَّ: الغضبَ والسُّخْطَ والخُبثَ والتجديفَ والكلامَ القبيحَ من أفواهِكم. ولا يكذِبَنَّ بعضُكم على بعضٍ، بلِ اخلَعوا الإنسانَ العتيقَ معَ أعمالِه، والبَسُوا الإنسانَ الجديد الذي يتجدَّدُ للمعرفةِ على صورةِ خالقِه، حيثُ ليس يونانيٌّ ولا يهوديٌّ، لا خِتانٌ ولا قَلَفٌ، لا بَربريٌّ ولا اسكِيثيٌّ، لا عبدٌ ولا حرٌّ، بلِ المسيحُ هو كلُّ شيءٍ وفي الجميع.
 
 
الإنجيل
لو 14: 16-24 (لوقا 11) 
 
قال الربُّ هذا المثل: إنسانٌ صنع عشاءً عظيماً ودعا كثيرين. فأرسل عبدَهُ في ساعة العشاءِ يقول للمَدعُوِّين: تعالَوا فإنَّ كلَّ شيءٍ قد أُعِدَّ. فطفِق كلُّهم واحداً فواحداً يستَعفُون. فقال لهُ الأوّل: قد اشتريتُ حقلاً ولا بدَّ لي أن أخرجَ وأنظرَهُ فأسألك أن تُعفِيَني. وقال الآخرَ: قدِ اشتريتُ خمسةَ فدادينِ بقرٍ وأنا ماضٍ لأجَرِّبَها فأسألك أن تُعفِيني. وقال الآخر: قد تزوَّجتُ امرأةً فلذلك لا أستطيع أن أجيء. فأتى العبدُ وأَخبر سيّدَهُ بذلك، فحينئذٍ غضِبَ ربُّ البيتِ وقال لعبدِه: أُخرُجْ سريعاً إلى شوارع المدينةِ وأزقَّتِها وأَدخِلِ المساكينَ والجُدْع والعميان والعُرجَ إلى ههنا. فقال العبدُ: يا سيّدُ، قد قُضي ما أمرتَ بهِ ويبقى أيضاً محلٌّ. فقال السيّد للعبد: أُخرُج إلى الطُّرق والأسيْجَةِ واضطَرِرْهم إلى الدخول حتى يمتلئَ بيتي. فإنّي أقول لكم إنَّه لا يذوقُ عشائي أحدٌ من أولئك الرّجال المدعُوِّين، لأنَّ المدعُوّين كثيرون والمختارين قليلون.
 
في الإنجيل
 
الإنجيل المقدّس الذي تُليَ على مسامِعِنَا اليوم، يمكن تسميته بإنجيل "الدّعوة إلى الوليمة"، لأنّ الربّ يقول في نهايته: "إنّ المدعوِّينَ كثيرونَ والمختارينَ قليلون" (لوقا 14: 24). فهذا النّصّ يرمز إلى الدّعوة التي تلقّاها الشّعب اليهوديّ في العهد القديم، ورفض تلبيتها لأسباب شتّى. هذا الشعب، الذي فضّل تدبير شؤونه المادّيّة والدنيويّة، بعد اأن أدار ظهره لله عاصِيًا أوامره، سوف يختار الله بديلاً منه شعوب الدّنيا كلّها ليدعوها إلى العشاء العظيم. خسر الشّعب المدعوّ في العهد القديم مكانته لدى الله، فأخلى السّاحة ليحتلّها آخَرون سواه من بقيّة الشعوب.
 
الربّ يسوع علّم الناس بأمثالٍ لكي يفهموا ما يريد قوله بطريقة بسيطة وغير معقّدَة، وبهذه الطريقة استطاع جذب عقول الناس إليه، وكانوا يتبعونه لأنّهم فهموا الرّسالة التّي دعاهم إليها، وبكلّ بساطة، لأنّهم كانوا بسطاء ومن عامّة الناس.
 
هذا المثَل يشير إلى الوليمة التي أعدّها الله، منذ خلق العالم، لخلاص هذا العالم. فصانع العشاء هو الله الآب، والطعام الذي تتألّف منه الوليمة هو جسد الربّ يسوع ودمه المحييان. أمّا المدعوّون فهُم كلّ شعوب الأرض وأممها وقبائلها. فالله، العارِف كلَّ شيء، قد عَلِمَ، بسابق معرفته، رفض رؤساء اليهود، بسبب قساوة قلوبهم وعنصريّتهم، دعوتَه المفتوحة لكلّ نَسَمَة تسعى على وجه الأرض. أمّا المسيح، الذي جاء ليخلّص العالم أجمع، فلا يستطيع أحدٌ أن يحدَّه في شعبٍ واحدٍ من الشّعوب، إذ كانت دعوته عامّة شامِلَة غير محصورة بشعب دون آخَر.
 
النّاس المدعوّون، في هذا المثَل، انشَغَلُوا باهتماماتٍ دنيويّة: فمنهم من اشترى حقلاً وخرج لينظره، ومنهم من اشترى خمسة فدادين بقر وقد مضى ليجرِّبها، ومنهم من تزوّج امرأة ولم يستطع المجيء. لقد نسُوا جميعاً قول الرّبّ "مرتا مرتا إنّك تهتمِّين بأمور كثيرة إنّما الحاجة إلى واحدٍ". لقد نسُوا خلاص نفوسهم، وهو الأهمّ من كلّ مقتنيات العالَم.
 
هذه المائدة نحن مدعوّون للمشاركة فيها كلّ يوم نقيم فيه خدمة القدّاس الإلهيّ. وعندما نسمع صوت جرس الكنيسة، هل نلبّي دعوة الرّبّ لنا، لنشارك في الأسرار الإلهيّة، ونتناول جسده ودمه الكريمين لغفران خطايانا وللحياة الأبديّة؟
 
كم يقدِّم المسيحيُّون، اليوم، أعذاراً عن عدم تلبيتهم دعوة الله إليهم لتتميم مشيئته والسّير بموجب تعاليمه ووصاياه؟ كم منهم يلبّي دعوة الله إلى ممارسة العبادات، والاِقتداء بالرّبّ يسوع في سلوكهم اليوميّ ومعاملتهم  للآخرين؟
 
"لأنّ المدعوّين كثيرون والمختارين قليلون"، هو الجواب عن تقاعُسِ المسيحيّين في تلبية متطلّبات الإنجيل. ولن يتوانى الرّبّ يسوع الذي قال: "لن يذوق عشائي أحد من أولئك الرّجال المدعوّين" عن إقفال الأبواب دوننا، إن لم نستدرك أنفسنا ونلحق بأفواج المدعوّين الذين لبَّوا دعوته وفرحوا بالجلوس إلى مائدته السّماويّة.
 
"فانْظُري يا نفسي ألا تستغرقي في النّوم، ويُغلق عليك خارج الملكوت، وتُسَلَّمِي إلى الموت"، بلِ استيقطي وكوني منتبهة دائماً، لتُحصيَ مع الأبرار والقدّيسين الذي أرضَوا الربّ يسوع في حياتهم، له المجد إلى الأبد. آمين.
 
 
مسيحيّتي والقدس 
 
قيل: إنَّ "فلسطين المحتلّة تنزف ومقاييس العدل الأمميّ تستبين مهزلةً. المسيحيّون في البلاد التي رَسَموا فيها الحضارة أمسَوا مطلوبين لكونهم يحملون نبراس المحبّة مع شركائهم في المواطنة من المسلمين الأمناء للحقّ .مخطّطٌ شيطانيّ يتتابع بهدف تتميم ما بدأ به رؤساء الكهنة والشيوخ الذين أعطَوا العسكر فضّةً كثيرةً ليُضلّوا الناس عن تجسّد المسيح وحضوره بيننا وقيامته من أجل خلاصنا".
 
ويأتي اليوم قرارٌ يثبت تلك المقولة أنَّ السعي الدؤوب لأعداء السيّد إلى أن يُمحى ذكره من جذوره يخطو خطواته الثابتة ويدرس مدى يقظة الشعب العربيّ ووعيه أهمّيّةَ مقدّساته. ويبدو أنَّ كسب الرهان الصهيونيّ معتمد كلَّ الاِعتماد على خيانة بعض الحكّام والشعب العربيّ لإيمانه ومبادئه.
 
إنّ الإعلان بأنَّ "القدس عاصمة إسرائيل"، عدا عن كونه مسبِّبًا كبيرًا لمزيد من القتل وسفك الدماء، لَهو إعلانٌ لقيام الهيكل المدمَّر، أورشليم، على أنقاض الجامع الأقصى وتمهيد لاِستكماله بحجارة المقدّسات المسيحيّة من كنيسة المهد والقيامة.
 
مَن لا يحسب حسابًا للحقّ والعدل لا يُنتظر منه أن يحترم مقدّسات الآخرين، لأنّ المطامع الصهيونيّة لا تكتفي بالتعدّي على الأرض أو بسلب المنازل أو قتل حاملي الحجارة ذودًا عن وطن مستضعف، وإنّما تسعى لمحو كلّ ما يتعلّق بوجود كائن آخر غير صهيونيّ على وجه الأرض، أكان من تراث، من كتابات، من فكر، أو أيّ أثر آخر. لهذا فقضيّة أن يُعترف بالقدس عاصمة لليهود لا تختصّ بالشعب الفلسطينيّ وحده بل تعني كلّ إنسان حُرّ،  لكون هذا الاِعتراف نَحرًا وقتلًا لكلِّ عدل، ونصرًا للظالم على المظلوم.
 
خطط الصهيونيّة العالميّة تبرز جليًّا هذه الأيّام في مجتمعاتنا، أكان في تكوين خلايا إرهابيّة تصبغ الديانات بصفة الإرهاب، أم بنشر فكر التطبيع مع اليهود واعتبار الدولة الصهيونيّة دولةً صديقة، أو من خلال محاربة الديانتين المسيحيّة والإسلاميّة بصرف الأموال ونشر المنشورات المجّانيّة، أو بقرع الأبواب لسبْيِ النّاس إلى براثن الشرّير عبر عملائهم في الوطن العربيّ.
 
الوعي المسيحيّ لما يجري على أرض الواقع مطلوب بإلحاح، ولا بُدَّ أن يُترجم أوّلاً بإعلاء الصوت بكلام الحقّ، وليس بما يتوافق مع المصالح.
 
تجسّد ربّنا على أرضنا ليرفع شعبها إلى مستوى التألّه، إلى مستوى الحقّ والحبّ والعدل الإلهيّ؛ وما الصمت عمّا يجري أمامنا من ظلم وقهر إلا إنكار لما شاء إلهنا أن يعلّمنا إيّاه، إن لم نقل تبرُّؤ من حدث التجسّد برمّته.
 
لا مجال أمام كلّ فردٍ إلّا أن يكون له دورٌ في ما يجري من تعدّيات على الحقوق الإنسانيّة والدينيّة، كلٌّ حسب موقعه ومقدرته. فمجالات الدفاع عن حقوق الإنسان لا يمكن أن تعيقها العقبات، فمنبر الكتابة مفتوح للكاتب الواعي، وصوت التصدّي والرفض متوفّر لدى أصحاب السلطان، وقوّة الصلاة والثبات في الإيمان عنوان عظيمٌ للمواجهة لدى المؤمن المسيحيّ البسيط.
 
ألا منحنا الربّ أن نكون أمناء له، حاملين نوره إلى كلِّ أصقاع الدنيا، لأنّه بنور إلهنا الحقّ يكون على الأرض السلام وفي الناس المسرّة. آمين.