* 23: نقل عظام الشّهيد في الكهنة فوقا أسقف سينوبي، النبيّ حزقيال، * 24: الشّهيدة خريستينا، *25: رقاد القدّيسة حنّة أمّ والدة الإله الفائقة القداسة، * 26: الشّهيد في الكهنة أرمولاوس، الشّهيدة باراسكيفي،
* 27: الشّهيد بندلايمون الشّافي، البارّة أنثوسة المعترفة، * 28: بروخورس ونيكانور وتيمن وبرميناس الشمامسة، إيريني خريسوسوفلاندي، * 29: الشّهيد كالينيكوس، ثاوذوتي وأولادها.
إن كان هدف الحياة المسيحيّة هو العيش في ملكوت السّموات والتألّه، ففي هذه البقعة من الأرض يتمرّس الإنسان على العيش في السماء، ويسلك طريق التألّه بواسطة الصّلاة والتأمّل، فتمطر عليه نعمة الله، وتفيض. لذا، فيها وجوه الرهبان مشرقة ومليئة بالفرح الذي لا يَقدر أحدٌ على أن ينتزعه؛ هذا الفرح الذي نقله جبرائيل رئيس الملائكة، في يوم البشارة، إلى والدة الإله قائلًا لها: "إفرحي أيّتها الممتلئة نعمة، الرّبّ معك". إنّها وجوه أشخاص اختبرت حضورَ الله بالنعمة، وذاقت طعمَ الحياة الأبديّة، أي معرفة الله المخلّص والحميميّة معه. هؤلاء الرهبان يتكلّمون على الحياة المسيحيّة من خبرتهم اليوميّة فيها، في جهاد نسكيّ مستمرّ. إنّهم أبطال، لأنّهم أحبّوا المسيح فوق كلّ شيء، وبتوقهم إليه تركوا كلّ شيء وتبعوه. إنّهم أبطال لأنّهم اختاروا النصيب الصالح، أي أن يجلسوا عند قدمَي يسوع ليصغوا إلى كلمات الحياة والخلاص الصادرة منه، وينالوا المعرفة الحقيقيّة، ويشربوا من الماء الحيّ الذي يعطيه الرّبّ يسوع، فيصِير فيهم ينبوع ماءٍ ينبَعُ إِلى حياةٍ أَبديّة، ويذوقوا الخبز السماويّ. لذا، يشعر الإنسان بفرح القيامة بكلّ من يلاقيه في رحلته إلى الجبل المقدّس. فعلًا إنّك يا ربّ حوّلتهم بعشقك الإلهيّ!
لا يوجد بيت أو مملكة على كوكب الأرض يكون فيها، أو فيه، وجه المرأة حاضراً بهذا الجمال كما هو حاضر في الجبل المقدّس. الأديار والأساقيط والقلالي لا يوجد لها سوى أمّ واحدة ومدبّرة بيت واحدة، ومرشدة واحدة، وملكة واحدة، وعروس واحدة: إنّها والدة الإله مريم الكلّيّة القداسة. لذا، يرى الزائر وجه العذراء في كلّ مكان حاضراً بقوّة: الأمّ النقيّة الحامية، والشّفيعة الحارّة، والسّور الذي لا يُحارب، والملجأ للمحارَبين من كلّ جهة. إنّها "المرأة" التي تقول لخدّام الرّبّ "مهما قال لكم فافعلوه"، وتتناقل أخبارَها الباهرةَ ألسنةُ الرّهبان، ببساطة واعتزاز وامتنان، كما يخبّر الولد بفرح عن أعمال أمّه. إنّها سيّدة البيت بامتياز: فعندما تطأ رجل الزائر شاطئ الجبل، تستقبله بخدّامها، وترافقه في كلّ مكان، بحيث يكون برنامج زياراته بحسب الترتيب الذي تراه هي، لخلاصه ونموّه الروحيّ. فترشده إلى أديارها وكنائسها: إنّها الأمّ المرشدة، والحاضرة في كلّ منسك وكنيسة، ليس فقط بالأيقونة، ولكن بحضور حسّيّ يزيد نعمة فوق نعمة.
آثوس هو حالة فردوسيّة فريدة على هذه الأرض، تذوّقٌ لنعمة الملكوت الحاضر والآتي. إنه مكان يعيش فيه الإنسان كلّ التدبير الخلاصيّ الذي جرى من أجله: "الصّليب والقبر، والقيامة في اليوم الثالث، والصعود إلى السّموات، والجلوس عن الميامن، والمجيء الثاني المجيد أيضاً"، أي الذي أتى والحاضر والذي سوف يأتي: يختبر الإنسان حياة الملكوت، في كلّ لحظة، لأنّ كلّ آن هو شغف وشوق شخصيّان وانشداد كيانيّ نحو ينبوع الحياة: "أمّا أنا فخيرٌ لي أن ألتصق بالله، وأن أضع على الرّبّ رجاء خلاصي".
من بعيد تبدو القلالي والمناسك كأعشاش عصافير مستقرّة في حنايا الجبل، تعلو بأصوات ترتيلها، في السَّحر والغروب، مغمورةً بالخضرة التي لا تَيبس، ومغروسًا في وسطها عود صليب الحياة. يعتقد المرء أنّ هذا الجبل، الذي هو بشكل شبه جزيرة، منعزلٌ
تمامًا عن العالم، ومنقطع عن الحضارة والتقدّم والعلم والتطوّر. نعم، إنّ هذا المكان يجمع المتناقضات، كمثل كلّ شيء أساسيّ في العالم الروحيّ: إنّه، بآن، متّصل ومنقطع، أرضيّ وسماويّ، متطوّر وبسيط، في العالم وليس من العالم: فما إن يبدأ الحديث مع راهب حتّى يكتشف الإنسان أنّ الرّاهب لديه معرفة فائقة، خبرة عميقة بمشاكل الإنسان المعاصر وصعوباته وهمومه وتجاربه، فيرتاح بالتعبير عن تحدّياته، ويسمع كلمات تسقط عليه كالماء البارد، توقظه من سباته العميق، وتعطيه حلولًا ترشده إلى الحياة في المسيح، كي يستطيع أن يكون في هذا العالم، وأن يعيش كأنّه ليس من العالم.
كلّ إنسان مجروح، ويطلب الشّفاء بالمسيح. لماذا إنسان مريض يصلّي ولا يشفى؟ ألم يقل الرّبّ: أطلبوا تجدوا؟ يجيب راهب: وما هو الشّفاء؟ وما هي الصّحّة؟ وما هو الموت؟ وما هي الحياة؟ هكذا، في أسئلة ساطعة، يتخبّط فيها الإنسان العقلانيّ، يُرجع الرّاهب الإنسان إلى البدء، إلى أصله وفصله، وإلى وجهته وهدفه. وهكذا تنجلي الحقيقة أمام الإنسان، ويبدأ بتحسّسه هولَ خطاياه وبُعده عن الحياة الحقّ، ويشعر باليأس من عدم القدرة على التحكّم بالمصير بسبب ضعفه الإنسانيّ والأيّام الشرّيرة؛ ولكنّ الرّاهب بنظرة يرنو إليه بحنان: كلّ شيء يُستطاع بالصّلاة... ملكوت الله يُغتصب اغتصابًا. هذه طريق الخلاص لإنسان اليوم. نعمة جبل آثوس وصلوات آبائه لتكن معنا جميعًا. آمين.
طروباريَّة القيامة باللَّحن السادس
إنّ القوّات الملائكيّة ظهروا على قبرك الموقّر، والحرّاس صاروا كالأموات، ومريم وقفت عند القبر طالبةً جسدَك الطاهر. فسبَيْتَ الجحيمَ ولم تجرَّبْ منها وصادفتَ البتول مانحاً الحياة. فيا مَن قام من بين الأموات يا ربُّ المجد لك.
القنداق باللَّحن الثاني
يا شفيعةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالقِ غيْرَ المرْدودة، لا تُعرِضي عَنْ أصواتِ طلباتنِا نَحْنُ الخَطأة، بَل تداركينا بالمعونةِ بما أنّكِ صالِحة، نحنُ الصارخينَ إليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعةِ وأَسرعي في الطِّلبةِ، يا والدةَ الإلهِ المتَشفّعةَ دائماً بمكرِّميك.
الرِّسالَة
رو 15: 1-7
خلّص يا ربُّ شعبَكَ وبارك ميراثَك
إليكَ يا ربُّ أصرُخُ إلهي
يا إخوةُ، يجبُ علينا نحنُ الأقوياءَ أن نحتَمِلَ وَهَن الضُّعفاءِ ولا نُرضِيَ أنفسَنا. فليُرضِ كلُّ واحِدٍ منَّا قريبَهُ للخيرِ لأجلِ البُنيان. فإنَّ المسيحَ لم يُرضِ نفسَهُ ولكن، كما كُتِبَ، تعبيراتُ معيّرِيكَ وقعَت عليَّ. لأنَّ كلَّ ما كُتِبَ من قبلُ إنَّما كُتبَ لتعلِيمنا ليكونَ لنا الرجاءُ بالصبرِ وبتعزِيةِ الكُتب. وليُعطِكُم إلهُ الصبرِ والتعزِيةِ أن تكونوا متَّفقي الآراءِ فيما بينَكم بحسَبِ المسيحِ يسوع، لكيما بنفسٍ واحدةٍ وفمٍ واحدٍ تمجّدوا اللهَ أبا ربِّنا يسوعَ المسيح. من أجلِ ذلك فليتَّخذ بعضُكم بعضاً كما اتَّخذَكُمُ المسيحُ لمجدِ الله.
الإنجيل
متّى 9: 27-35 (متّى 6)
في ذلك الزّمان، فيما يسوع مجتازٌ، تبعهُ أعميانِ يَصيحان ويقولان ارحمنا يا ابنَ داوُد. فلمَّا دخل البيتَ دنا إليهِ الأعميانِ، فقال لهما يسوع: هل تؤمنان أنّي أقدِرُ أن أفعَلَ ذلك؟ فقالا لهُ نعم يا ربُّ. حينئذٍ لمس أعينَهما قائلاً كإيمانِكُما فليكُنْ لَكُما، فانفتحت أعينُهما. فانتهَرَهما يسوعُ قائلاً أُنظُرا لا يَعلَمْ أحَدٌ. فلَّما خرجا شَهَراهُ في تلك الأرضِ كلّها. وبعد خروجهما قدَّموا إليهِ أخرَسَ بهِ شيطانٌ، فلمَّا أُخرِجَ الشيطانُ تكلَّم الأخرسُ فتعجَّب الجموع قائلين لم يَظْهَرْ قطُّ مِثلُ هذا في إسرائيل. أمَّا الفرّيسيّون فقالوا إنَّه برئيس الشياطين يُخرج الشياطين. وكان يسوع يطوف المُدن كلَّها والقرى يعلِّمُ في مجامِعِهم ويكرِزُ ببشارةِ الملكوتِ ويَشْفي كلَّ مَرَضٍ وكُلَّ ضُعفٍ في الشعب.
لا أحد يحرّك ساكنًا وكلّنا نِيام
بانتشار الخليويّ، ومعه انتشار الكتابة بكبس الزرّ فقط، فقد الطلّاب والناس عمومًا عدداً من الأمور: أوّلها الخطّ وثانيها الكتابة الجميلة. وتولّد من ذلك إهمال عجيب للمطالعة عند سواد الناس. من جهة الخطّ لم نعد نجد في المدارس طلبة يتمتّعون بخطّ جميل أو بأفكار جميلة وكتابة جميلة ولغة جميلة. لكن هل هذا كلّ شيء؟
كلّا، هذا ليس إلّا أوّل الغيث والآتي أعظم. فالذين فقدوا حُسن الخطّ، وحبَّ المطالعة والكتابة، وراحوا يتباهون بما يرسلون ويستقبلون بمجرّد كبس الزرّ سرعان ما يكتشفون أنّ الفكر المحيط بكلّ نشاطاتهم محدود للغاية وسطحيّ. والذين لايهمّهم الفكر بل يكفيهم الانشغال بكبس الزرّ سرعان ما يكتشفون أنّ فكر الآخرين غير مهمّ، لابل أنّ فكرهم أيضًا، غير مهمّ عند الآخرين. وبرهانًا على ما أقوله يمكننا، بسهولة، الوقوف عليه من مراقبة الواقع اليوميّ المعاصر لعامّة الناس.
وهكذا، فمجتمعاتنا، الفتيّة خصوصًا، وسواها عمومًا تنحدر تدريجيًّا وسط نشوة من امتلاك التكنولوجيا الحديثة. السؤال الآن: ماذا ينتج، بالإضافة إلى ما ذُكر، عن فقدان حُسن الخطّ، الكتابة والأفكار فضلاً عن غياب المطالعة؟
في الواقع، إنّ ما ينتج متعدّد الوجوه ومدمّر، والتبعات التي تترتّب عليه لاتحصى ولا تقاس.فالشابّ والفتاة سوف يصبحان، بعد عقد من الزمن، أبًا وأمًّا. وما إن ينمو صغارهما حتى تبدأ معاناتهما كأهل على نحو صعب. وستنطلق الصرخة من أنّ أولادنا لايقرأون ولا يكتبون وأنّ خطّهم قبيح وبشع جدًّا، ناهيك عن الأخطاء الإملائيّة التي تترتّب على انتشار هذا المرض. نحن، عندما لا نطالب أولادنا بجمال الخطّ والفكر، إنّما نغرس في نفوسهم، من الآن، بذرة حقيقة مرّةٍ سوف يذوقونها عندما يصبحون أهلًا مثلنا. لاتستغربوا إذا قلت لكم إنّ كلمة اشمئزاز يكتبها كثيرون ممّن هم في صفّ البكالوريا اليوم هكذا: اش مء زاز. بؤس قاتل حقًّا. السؤال الثاني: ما الذي يملأ حياة الشباب بعد وصف كهذا؟ لن أدخل في تضاعيف السؤال القاتل بل أكتفي بالقول إنّهم يؤسّسون لبيوت تعيسة وعلى غير صعيد. وهم، حكمًا، سوف يعملون على نقل مرضهم الحاضر إلى فلذاتهم عندما يتزوّجون ويُنجبون. لماذا؟ لأنّ فاقد الشيء لا يعطيه. الفتاة التي خطّها غير لائق نجدها تسعى إلى امتلاك شَعر جميل وجسم جميل، لا بل ترهق كاهل أهلها بأعباء مادّيّة لتحصل على ثياب جميلة تغيّرها كلّ يوم أيضًا. باختصار، نحن الأهل، اليوم، لا تهمّنا هذه العيوب المذكورة عند أولادنا. وعندما يسألنا أحد: كيف الأولاد في المدرسة؟ نجيب: نشكر الله، شاطرين في الرياضيات والفيزياء والكيمياء.
يا لها من ثقافة سطحيّة نقتنع بامتلاكها. نحن لا يهمّنا التخلّص من الخطّ القبيح والفكر الهشّ وترهّل العبارة وضعف المنطق في أفكارنا وأفكار أولادنا. لا يهمّنا البتّة أن يمتلك أولادنا تعبيراً جميلاً في غير لغة.
لقد علت الصرخة في بعض أوساط المسؤولين اللبنانيّين فراحوا يتكلّمون على خلل في التعبير عند أولادنا لا أكثر. ماذا بعد هذه الكلمات؟
الطلّاب والطالبات الذين يكبرون اليوم سوف يصطدمون، بعد حين، بواقع عدم الرغبة وعدم القدرة على متابعة صغارهم في تحصيلهم الدراسيّ. المهمل اليوم مهمل غدًا، والمقصّر اليوم سيبقى هكذا غدًا. والأمراض التي فينا الآن سوف تنتقل إلى أولادنا شئنا أم أبينا.
انتبهوا أحبّائي من عيوبكم واعملوا على إصلاحها كي تُصلحوا لاحقًا كلّ اعوجاج في أولادكم. إنّ ما أقوله في الخطّ والفكر واللّغة أقوله في الثقافة الدينيّة عند أولادنا أيضًا. فالضعفاء في الأمور المذكورة ضعفاء أيضًا في ثقافتهم الدينيّة. والذين يطلقون العيوب في مجتمعاتنا يعرفون جيّدًا أنّهم يقتلون ألف عصفور بحجر واحد. فلننتبه قبل فوات الأوان؛ والسلام.
الخوف حسب جان كلود لارشيه وكيفيّة علاجهِ
أ-تعريف: يُدرج الآباء الخوف وكلّ الحالات المرفقة به وأشكاله ودرجاته بين الأهواء التالية: الذعر، الهلع، القلق، التوتّر والضيق.
ب-أنواع الخوف: ينتج الخوف، بشكل عامّ، من خطر الحرمان، أو من معاناة فكرة، أو من إحساس بالخسارة، أو من إمكانيّة فقدان ما نترّجاه أو شيءٍ نحن متعلّقون به. هناك نوعان من الخوف:
1- يمكن للخوف أن يكون فضيلة، وهو الخوف الذي زَرعهُ الله في الانسان عند الخلق والذي هو من طبيعته. وهو ليس، بدرجاته الأولى، سوى خوف من العقاب الإلهيّ، و، بدرجاته الأخيرة، خوف من الابتعاد عن اللّـه. لذلك، نجد، عند الانسان الروحانيّ، أنّ الخوف الذي هو خوفٌ من الموت يختفي لتظهر مكانه مخافة اللّـه أو، بالأحرى، الخوف من الابتعاد عن اللّـه بسبب الخطيئة والشرّير اللّذَين يسبّبان موت النفس (متّى 28:10، لو 5:12). هذا النوع من الخوف هو فضيلة، وقد اكتسبها آدم في حالته الأولى التي ما قبل السقوط.
2-أمّا النوع الثاني، والذي يعتبره الآباء من أنواع الهوى، فهو ناتج عن خطيئة آدم وحوَّاء. ويظهر هذا الخوف دائماً كرفض لكلّ ما يُفسد الإنسان أو، بالأحرى، يُفسد نفسه الساقطة والتي هو متعلّق بها بالشّهوة. وفي هذه الحالة يكون الخوف هوًى ناتجًا عن فقدان أيّة متعة أو لذّة جسديّة أو نفسيّة فقداناً يؤدّي إلى حزن في النفس والجسد. يخاف الانسان أن يخسر أيَّ شيء حسّيّ يكون، عادةً، مصدراً لسعادة وقتيّة.
بالنسبة للآباء يُعتبر الخوف، كسائر الأهواء، مرضاً. كذلك يرمز الخوف إلى قلّة الايمان بالعناية الإلهيّة، إذ يقول المسيح لتلاميذه، عند جنون العاصفة، في مرقس 36:4-40: "ما لكم خائفين هذا الخوف؟ أإلى الآن لا إيمان لكم؟". يتميّز التوتّر والقلق الناتجان عن الخوف بعدم وجود أسباب منطقيّة لأمر ما، فيسيطر الخوف غير الطبيعيّ على العقل ويفقد الرؤية الواقعيّة للأمور. وفي هذا المضمار يقول سفر الحكمة في (12:17): "فليس الخوف سوى التخلِّي عن إِسعافات العقل".
يلتصق الخوف أيضاً بأهواء أُخرى مثل التكبّر، فيقول القدّيس إِسحق السريانيّ: "الذي ينقصه التواضع هو مجرّد من كلّ كمال، والذي ينقصه الكمال هو خائف دائماً". ويقول القدّيس يوحنّا السلّميّ: "النفس التي هي عبدة للكبرياء هي عبدة للجبن، مليئة بالثقة بذاتها وتخاف من أيّ شيء حتّى من ظلّ الخلائق".
ج-كيفيّة علاج الخوف:
بما أنَّ الخوف ناتج عن التعلّق بالعالم وبالمنافع الحسّيّة فإنَّ علاجه يكون بالتحرّر من هذا العالم بأن نلقي همّنا كلّه على اللـه وعلى رحمته. فإنّ المسيح يقول: "لا تهتمّوا أبدًا قائلين ماذا نأكل أو ماذا نشرب؟ أو ماذا نلبس؟ لأنّ هذه كلّها يطلبها الوثنيّون. إنَّ أباكم السماويّ يعرف حاجاتكم كلّها. اطلبوا أوّلاً ملكوت السّموات وكلّ تلك الأشياء تُزاد لكم. لا تهتمّوا للغد (متّى 28:6-34). المصدر الأوّل للخوف هو عدم الإيمان. وإن كان لنا ايمان قويّ فإنَّ اللّـه قادر على أن يزيل كلّ آثار الخوف عن نفوسنا. "حتّى ولو مشيت في وادي ظلال الموت، لا أخاف سوءًا لأنّك معي" (مز22/23-4)؛ ليس الإيمان بحدّ ذاته الذي يخلّص الإنسان من الخوف بل تلبية اللّـه لإيمان كهذا تنشئ المعونة والمساعدة الإلهيّتَين. ويجب أن يُطلب هذان الإيمان والمعونة الإلهيّة بالصّلاة، وصلاة يسوع، الصّلاة القلبيّة، هي القادرة على أن تُزيل الخوف وكلّ الأهواء الناتجة عنه. يقول القدّيس يوحنّا السلّميّ: "اجلد أعداءَكَ باسم يسوع لأنّه ليس هناك أقوى من هذا السلاح في السّماء وعلى الأرض. عندما تُشفى من مرض الخوف، مجّد الذي حررَّك منه". علاج الخوف يتطلَّب من الإنسان أنْ يتنكّر لإرادته الخاصّة وأن يتواضع. ذكرنا سالفاً أنَّ الخوف مرتبط بالكبرياء، وكلّما وضع الإنسان ثقته بقوّته الذاتيّة يُصبح أسير هذا الهوى، ولذلك ينصح القدّيس إِسحق السريانيّ قائلاً: "كلّما صلّى الإنسان كلّما أصبح قلبه متواضعًا واستولى عليه الندم وأحسّ قلبه بالمساعدة الإلهيّة واكتشف أنَّ القوّة التي تملأ كيانه ليست سوى الثقة". وبالحبّ أيضاً يستطيع الإنسان أنْ يغلب الخوف حسب قول القدّيس يوحنّا الرّسول في (1يو 18:4): "لا خوف في المحبّة بل المحبّة الكاملة تنفي عنها الخوف". ويقول القدّيس يوحنّا السلّميّ بأنَّ القدّيس المملوء حبّاً يتصدَّق ولا تظهر عليه علامات الخوف؛ إنَّ الذي يحبّ أخاه لا يخاف منه. ولكنّ هذا التعليم يشمل أساساً حبّ اللّـه الذي يزيل كلّ أشكال الخوف الأرضيّ، وبشكل خاصّ، الخوف من الموت. ويجب أنْ نشدّد أيضاً على أهمّيّة اكتساب الخوف السلاميّ الذي هو فضيلة كما ذكرنا سالفاً، أي مخافة اللـّه الذي يستطيع إزالة الخوف- الهوى من القلب واستبداله بالخوف-الفضيلة. لذلك تعتبر مخافة اللـّه علاجاً للخوف. يقول القدّيس يوحنّا السلَّميّ: "إنَّ مخافة اللـّه تدحض كلّ خوف آخَر". ويقول القدّيس سمعان اللاهوتيّ الحديث: "إنَّ الذي يخاف الله لا يخشى ضربات الشياطين ولا اعتداءاتها الضعيفة ولا تعرّضات الأشرار، وإنَّ مخافة اللـّه تولّد الحكمة والسلام في قلب الانسان. يقول الكتاب: "رأس الحكمة مخافة اللـّه".
استناداً إلى هذه التفسيرات يمكن أنْ نفهم تعليم الآباء القائلين بأنَّ مخافة اللـّه ليست سوى مصدر للسعادة الروحيّة. هذا ما يعبّر عنه القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم حيث يقول: "إنَّ الانسان السعيد هو الذي لديه مخافة اللّه".
أخبـــارنــــا
عيد التجلّي في رعيّة شكّا
برعاية راعي الأبرشيّة المتروبوليت أفرام (كرياكوس) الجزيل الإحترام وحضوره، تحتفل رعيّة شكّا بعيد تجلّي الرّبّ على النحو التالي:
صلاة الغروب والخبزات الخمس: السبت الواقع فيه 5 آب 2017 الساعة السادسة مساءً.
صباح الأحد 6 آب 2017 يترأّس سيادته خدمة القدّاس الإلهيّ. تبدأ الصّلاة السّحريّة الساعة الثامنة صباحاً ويليها القدّاس الإلهيّ.