الأحد 18 كانون الأوّل 2016

الأحد 18 كانون الأوّل 2016

18 كانون الأول 2016
 
 
الأحد 18 كانون الأوّل 2016    
العدد 51
 
الأحد قبل ميلاد المسيح (أحد النسبة)
 
اللَّحن الأوّل        الإيوثينا الرابعة
 
 
 
*  18: الشهيد سابستيانوس ورفقته، موذستس أسقف أورشليم، * 19: الشهيد بونيفاتيوس، أغلائيس الروميَّة،
* 20: تقدمة عيد الميلاد، إغناطيوس المتوشّح بالله أسقف أنطاكية مدينة الله العظمى. * 21: الشهيدة يولياني وثاميستوكلاوس، * 22: الشهيدة أناستاسيَّا، * 23: بارامون ميلاد المسيح، الشُّهداء العشرة المستشهَدون في كريت، * 24: الشهيدة في البارَّات أفجانيا. *
 
 
التعزية
 
في حين ننتظر عيد الحياة، يأتي الموت ليخطف الفرح ويُذكّرنا بضُعف طبيعتنا البشريّة وقابليّتها للزوال. يأتي كالسارق على غفلةٍ، يدخل دون استئذانٍ، من باب الشيخوخة، أو المرض، أو الحرب ، أو الإرهاب، أو الحوادث والكوارث الطبيعيّة. أيًا يكن السبب، فالنتيجة واحدة: غياب شخصٍ نحبّ وسنفتقده في موسمٍ مبارك، وزمن بهجة الأطفال والعائلات.
 
يصعُب علينا فهم مشيئة الربّ، بخاصّةٍ حينما يكون المغيَّب عنّا أصغر سِنًّا. فالإنسان تعوّد أن يودّع الجيل الذي يسبق وليس الجيل الذي يلحق. هذه الخسارة تُزعزع مفاهيم الإنسان عن الموت والحياة، فتنزل الفاجعة على الأهل كالصاعقة ويتساءلون: أين التعزية؟ ما السبيل لعدم اليأس؟
 
المسيح وُلد من نسلِ داود، كان بين أقاربه في بيت لحم ثمّ في الناصرة. هكذا نحن، على صورته، نتعزّى بشريًّا بعضنا ببعضٍ: نفرح مع الفرحين، ونحزن مع الحزانى. نزور ونخفّف وطأة الفقدان، نحاول

 
بلسمة الجراح. نؤمن بأنّ الربّ الذي تكلّمت عليه النبوءات، هو الراعي الذي يرعى كلّ إنسانٍ سائرٍ في وادي ظلّ الموت، أي كلّ إنسانٍ عايش الموت، وذاق لوعة الفراق، وعرف أنّه ذاهبٌ إلى الموت، موت الجسد.
 
وأمّا موت الروح - وهو أخطر بكثير - فإنّ الذي يولَد من البتول هو الذي، بمحبّته لنا، ينتشلنا منه. ونحن أيضًا، بمعونته ونعمة الروح القدس، نرفع إليه كلّ من هو بحاجةٍ إلى صلاة ورحمة.
 
إنجيل لوقا ذكر بشارة الملائكة للرعاة، وتبيّن خدمة المديح كيف أنّهم سجدوا له إذ عرفوه راعيًا وإن كان حملًا بين يَدَي مريم. 
عزاؤنا إذًا يأتي من هذا الحمل، الرافع خطيئة العالم (يوحنّا 1: 29). ويبقى رجاؤنا اليوم أنّ المسيح المتواضع، حمل الله المولود في مذود، هو بنفسه يرعانا، ويقودنا إلى ينابيع الحياة، ويمسح من كلّ عينٍ كلّ دمعةٍ. (رؤيا 7: 17).
 
طروباريَّة القيامة  باللَّحن الأوّل
 
إنّ الحجر لمّا خُتم من اليهود، وجسدك الطاهر حُفِظَ من الجند، قمتَ في اليوم الثالث أيّها المخلِّص، مانحاً العالم الحياة. لذلك، قوّات السماوات هتفوا إليك يا واهب الحياة: المجدُ لقيامتك أيّها المسيح، المجد لملكك، المجد لتدبيرك يا محبَّ البشرِ وحدَك.
طروباريّة أحد النسبة باللّحن الثاني
 
عظيمةٌ هي أفعالُ الإيمان، لأنَّ الفتيةَ الثلاثةَ القدّيسين قد ابتهجوا في يَنبوعِ اللهيب كأنّهم على ماءِ الراحة، والنبيَّ دانيال ظهر راعيًا للسِّباعِ كأنّها غنم. فبتوسّلاتِهم  أيّها المسيحُ الإلهُ خلّص نفوسَنا.
 
قنداق تقدمة الميلاد باللّحن الثالث
 
أليومَ العذراء تأتي إلى المغارة لتلدَ الكلمةَ الذي قبل الدهور ولادةً لا تفسَّر ولا ينطقُ بها. فافرحي أيّتها المسكونةُ إذا سمعتِ، ومجّدي مع الملائكة والرعاة الذي سيظهرُ بمشيئته طفلاً جديداً، الإلهَ الذي قبل الدهور.
الرِّسالَة
عب 11: 9-10، 32-40
مباركٌ أنتَ يا ربُّ إلهَ آبائنا 
لأنَّكَ عدلٌ في كلّ ما صنعتَ بنا 
 
يا إخوةُ، بالإيمانِ نَزَل إبراهيمُ في أرضِ الميعاد نزولَهُ في أرضٍ غريبةٍ، وسكَنَ في خيامٍ معَ إسحقَ ويعقوبَ الوارثَيْن معهُ للموعِدِ بعينهِ، لأنَّهُ انتظرَ المدينةَ ذاتَ الأُسسِ التي اللهُ صانِعُها وبارئُها. وماذا أقول أيضاً؟ إنّه يضيق بيَ الوقت إن أخبرتُ عن جدعون وباراق وشمشون ويفتاح وداود وصموئيل والأنبياء، الذين بالإيمان قهروا الممالِكَ وعملوا البرّ ونالُوا المواعد وسدُّوا أفواه الأسود وأطفأوا حدّة النار ونجَوا من حدّ السيف وتقوَّوا من ضعف وصاروا أشدّاءَ في الحرب وكسروا معسكرات الأجانب، وأخذت نساءٌ أمواتَهنّ بالقيامة. وعُذِّب آخَرون بتوتير الأعضاء والضرب، ولم يقبلوا بالنجاة ليحصلوا على قيامة أفضل. وآخَرون ذاقوا الهزء والجلد والقيود أيضاً والسجن، ورُجموا ونُشروا وامتُحنوا وماتوا بحدّ السيف، وساحوا في جلود غنم ومعز وهم مُعوَزون مُضايَقون مجهودون (ولم يكن العالم مستحقّاً لهم). وكانوا تائهين في البراري والجبال والمغاور وكهوف الأرض. فهؤلاءِ كلُّهم، مشهوداً لهم بالإيمان، لم ينالوا المواعد، لأنّ الله سبق فنظر لنا شيئاً أفضل أن لا يكملوا بدوننا.
الإنجيل
متّى 1:1-25 
 
كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم: فإبراهيم ولد إسحق، وإسحق ولد يعقوب، ويعقوب ولد يهوذا وإخوته، ويهوذا ولد فارص وزارح من تامار. وفارص ولد حصرون، وحصرون ولد أرام، وأرام ولد عمِّيناداب، وعمِّيناداب ولد نحشون، ونحشون ولد سلمون، وسلمون ولد بُوعَز من راحاب. وبوعز ولد عوبيد من راعوث، وعوبيد ولد يسّى، ويسّى ولد داودَ الملك، وداود الملك ولد سليمان من التي كانت لأوريَّا. وسليمان ولد رحَبعام، ورحبعام ولد أبيّا، وأبيّا ولد آسا، وآسا ولد يوشافاط، ويوشافاط ولد يورام، ويورام ولد عوزِيَّا، وعوزِيَّا ولد يوتام، ويوتام ولد آحاز، وآحاز ولد حزقيّا، وحزقيّا ولد منسّى، ومنسّى ولد آمون، وآمون ولد يوشيّا، ويوشيّا ولد يَكُنْيا وإخوته في جلاء بابل. ومن بعد جلاءِ بابل يَكُنْيا ولد شألتَئيلَ وشألتئيلُ ولد زَرُبابلَ وزَرُبابل ولد أبيهودَ وأبيهودُ ولد ألِياقيمَ وألياقيمُ ولد عازورَ وعازورُ ولد صادوقَ وصادوقُ ولد آخيمَ وآخيمُ ولد أليهودَ وأليهودُ ولد ألعازارَ وألِعازارُ ولد مَتَّانَ ومَتَّانُ ولد يعقوبَ ويعقوبُ ولد يوسفَ رجلَ مريمَ التي وُلد منها يسوع الذي يُدعَى المسيح. فكلُّ الأجيال من إبراهيمَ إلى داودَ أربعةَ عشرَ جيلاً، ومن داودَ إلى جلاءِ بابلٍ أربعةَ عشرَ جيلاً ومن جلاءِ بابلَ إلى المسيح أربعةَ عشرَ جيلاً. أمّا مولدُ يسوعَ المسيحِ فكان هكذا: لمَّا خُطبت مريمُ أمُّهُ ليوسفَ وُجدتْ من قبلِ أنْ يجتمعا حُبلى من الروح القدس. وإذ كان يوسفُ رجلُها صدّيقاً، ولم يُرِد أنْ يَشْهَرَها، همَّ بتخْلِيَتِها سرًّا. وفيما هو متفكّرٌ في ذلك إذا بملاكِ الربّ ظهر لهُ في الحُلم قائلاً: يا يوسفُ ابنَ داود لا تَخفْ أنْ تأخذ امرأتك مريم. فإنَّ المولودَ فيها إنَّما هو من الروح القدس، وستلِد ابنًا فتُسميّهِ يسوعَ، فإنَّهُ هو يخلِّصُ شعبهُ من خطاياهم. (وكان هذا كلُّهُ ليتمَّ ما قيل من الربّ بالنبيّ القائل: ها إنَّ العذراءَ تحبلُ وتلد ابناً ويُدعى عِمَّانوئيلَ الذي تفسيرُهُ الله معنا). فلمَّا نهض يوسف من النوم صنع كما أمرهُ ملاكُ الربّ. فأخَذَ امرأتَهُ ولم يعرِفْها حتَّى ولدتِ ابنَها البكرَ وسمَّاهُ يسوع.
في الإنجيل
 
السلالة، شجرة العائلة، دلالة على ارتباط الإنسان بتاريخ قرابة دمويّة وبتسلسلها، ويهمّ القائم بهذه المهمّة أن يحفظ لذاته وجوده في التاريخ أو يعيد إلى حاضره نسبًا ذا دلالة أو مركزًا أو منصبًا. البعض الآخر يقوم بهذا حُبًّا بالتاريخ والتراث، ولكن، في أغلب الحالات، يحاول الكاتب تجنّب ذكر ما يشوّه جمال هذه السلالة ويصمت عن ذكر من سلك طريقًا منحرفًا من أفرادها. أمّا النصّ الذي أمامنا فيُبرز بشكلٍ جلّيّ، وبطريقة مقصودة، الاِنحرافات عند الرجال المعتبرين عند الشعب العبرانيّ مثل يهوذا وبوعز وداود الذين اقترنت أسماؤهم بأفعال تنافي الأصالة اليهوديّة وتخالف وصايا الله، وتحتوي سيرتهم علاقات غير شرعيّة.
 
إنَّ إبراز هذه المخالفات للسامعين، بالنسبة للرسول متّى الإنجيليّ، هو مدعاة افتخار، على ما يقول الذهبيّ الفم، لأنّها تُظهر عناية الله الحنون وقوَّته. فالله أتى "لا لكي يهرب من خِزياتنا، بل ليحملها بعيدًا"، وكلّ ما يظهر شائنًا أكثر في سلوك البشر إنّما يُظهر عظمة محبّة الله للإنسان. ويكشف أيضًا أنَّ الجميع تحت الخطيئة ولو كانوا معتبرين حُماة الناموس والسالكين بمقتضاه، وبالتالي الناموس غير مكمِّلٍ للإنسان، ولهذا الكلّ قد خطئوا؛ وهذا دلالة على أنَّ مجيء المسيح باتَ ضروريًّا للخلاص.
 
ورُبّ سائلٍ: لمذا تُذكر سلالة يوسف ولا تُذكر سلالة مريم، مع العِلم أن ليس ليوسف أيّ ارتباط مع يسوع؟
الحكمة في هذه  الكتابة الإلهيّة تنقسم إلى ثلاثة وجوه:
أوّلاً: احترامًا للتقاليد اليهوديّة، إذ لم يدرج في التراث اليهوديّ ذكر سلالة المرأة، لا بل هذا يُعتبر أمرًا شائنًا، ولعدم كسر حدَّتها منذ البداية.
 
ثانيًا: لا بُدّ من التذكير بأنّ النبوءات تُشير إلى أنّ المسيّا  المنتظر سيكون "من  نسل داود، ومن بيت لحم القرية التي كان داود فيها، يأتي المسيح"(يو42:7)، وأنّه من سبط يهوذا "لا يزول صولجان من يهوذا ومُشترعٌ من صِلبِه حتى يأتي شيلو، وتُطيعَه الشعوب"(تك 10:49).
 
وكلّ هذه النبوءات تنطبق على العذراء المخطوبة لرجلٍ من بيت داود اسمه يوسف. لأنّه، بإظهار سلالة يوسف، أعطى متّى سلالة نسب مريم العذراء، وذلك لأنه، بحسب الناموس، يجب على المرأة أن تؤخذ من إنسانٍ من القبيلة نفسها ومن النسل نفسه. وهذا ما صبا إليه الإنجيليّ.
 
ثالثًا: لم يُبرز متّى حبل مريم العذراء بحسب القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم، وإنّما أخفى حدث حبلها، وتَجَسُّدَ ابن الله منها، عبر خطبتها ليوسف،  لئلّا تهان وتُرجَم من  اليهود "بسبب عنادهم ووقاحتهم، فيوسف البارّ احتاج ملاكًا ورؤية في الأحلام والشهادة من الأنبياء لكي يستقبل ما حدث، فكيف يمكن لليهود، وهم منحرفون وذوو روحٍ عدائيّة، أن يُدخلوا هذه الفكرة إلى أذهانهم؟".
وأيضًا كان هذا الإخفاء إخفاءً عن سيّد هذا العالم. فقد رتّب ربّنا أن يكون الشيطان جاهلاً لتدبيره ولتجسده. وكما يقول القدّيس إغناطيوس المتوشّح بالله "إنَّ رئيس هذا الدّهر (أي ابليس) لم يُدرِك بتوليّة مريم ولا ولادتها ولا موت السيّد. أسرارٌ ثلاثة فعلها الله بصمت وهدوء".
أللهمّ امنحنا أن نعيش هذا الموسم، نحن سكّانَ هذا العالم، بأمانٍ، مدركين أنّ حضورك بيننا بالجسد هو وحده المصدر الحقيقيّ للفرح والسرور، بشفاعة والدة الإله وجميع قدّيسيك، آمين.
لماذا نُصلّي؟
(خواطر)
 
رُبَّ قائل: الصّلاة، بالنسبة للمؤمن، أمر مفروغ منه، إنّها من المسلَّمات التي لا تستقيم عبادته من دونها، فلماذا السؤال؟ هذا صحيح. ولكن، مع ذلك، يعذرنا القارئ لو نحن طرحنا السؤال، إذ لا يكفي أن تكون الصّلاة من المسلَّمات في حياة المؤمن العباديّة. يجب أن تكون فعلاً واعياً يؤدّيه المصلّي بفهم وإدراك، على قدر ما يعطيه ربّه أن يفهم ويدرك.
 
كثيرةٌ جدًّا هي الآيات الكتابيّة التي تحضّ على الصلاة. فعند بولس نقرأ: صَلُّوا بلا انقطاع، صلُّوا ولا تَملُّوا" (1 تسا 5: 17)، وعند متّى نقرأ: "كلّ ما تطلبونه، وأنتم تصلُّون بإيمان، تنالونه" (متّى 21: 22)، وعلى غرار هاتين الآيتين نقرأ الكثير ممّا يستحيل حصره في هذه العجالة. ونحن نعرف جيّداً أنّ للصّلاة فاعليّتها ومفاعيلها، ونؤمن بهذا، وصلواتنا البيعيّة تعلّمنا "أنّ صلاة البارّ تقتدر كثيراً في فعلها". فعلى سبيل التمثيل لا الحصر نذكر أنّها تَقينا الوقوعَ في التجربة، نقرأ عند لوقا: "صلُّوا لئلّا تقعوا في التجربة" (لوقا 22: 40).
 
وهي تطرد االشياطين، على ما أجاب به السيّد تلاميذه عندما سألوه لماذا لم يستطيعوا هم أن يُخرجوا الروح الأبكم من الصَّبيّ المصروع، قال لهم: "هذا الجنس لا يخرج إلاّ بالصّلاة" (مرقس 9: 29). كذلك هي تشفي من المرض، حسبما يعلّم يعقوب الرسول: صَلُّو بعضُكم لأجل بعض كي تُشفَوا" (يعقوب 5: 16). إلى هذه كلّها تعلّمنا صلواتنا البيعيّة أيضًا أنّ "صلاة الوالدين تثبّت أساسات البيوت" (من أفاشين صلاة الإكليل). فمن نَوافل القول، إذاً، أنّنا نصلّي لهذه الاِعتبارات كلّها. ولكنّنا نصلّي، أيضًا، أو ينبغي لنا أن نصلّي، لاعتبارات أخرى ليست دون تلك أهمّيّةً.
 
نصلّي، أساساً، اقتداء منّا بربّنا يسوع المسيح الذي نقرأ عنه، في موضع من المواضع، أنّه صعد إلى الجبل على انفراد لكي يصلّي، وفي موضع آخر نقرأ أنّه انقطع إلى البرّيّة حيث صام وصلّى أربعين يوماً تمكّن، في نهايتها، من مواجهة الشيطان لمّا وافاه مُجرِّباً، ومن إحباط مخطّطاته ودَحره مقهوراً خائباً. نصلّي، أيضًا، لأنّه ينبغي لنا أن نكافئ الربّ عن كلّ ما أعطانا (كما نقرأ في المزامير)، وهل بسِوى الصّلاة نستطيع أن نكافئ الربّ؟ نصلّي لأننا بحاجة دائمة إلى من نرمي عند قدميه أثقالاً أرهقتنا، وهل لنا مَن نَلُوذ به غيرُ الذي قال: "تعالَوا إليّ أيّها المتعبون والذين ثَقُلَت أحمالهم، وأنا أُريحكم"؟ (متّى 11: 28). نصلّي لأنّنا كثيراً ما نحتاج إلى أن نَصمت نحن ليتكلّم هو، تماماً كما فعل صموئيل إذ أصاخ بمِسمعه إلى الربّ وصَمتَ قائلاً: "تكلَّم يا ربُّ، فإنّ عبدك يَسمع" (1 صم 3: 9). إنّ صوت الربّ لا يَعبُر إلينا وسط الضجيج والصّخب- وما أكثرهما في حياتنا- بل وسط الهدوء والصَّمت. على خطّ السّكون والصَّمت تنتقل إلينا ذبذبات السَّماء فيَبلغُنا إرسالُ الله. نصلّي لأننا بحاجة إلى البَوح، إلى مَن نستَودِعه لَواعِجنا، إلى من نصرّح له بما نحصره من الأسرار والمكنونات ويضيق به صدرنا، كي نرتاح إليه ونسمع منه كلمات تُعزّينا وتَهدينا سَواء السبيل. نحن كثيراً ما نلجأ، في الضّيق، إلى صديق نستخلصه فنطرح عنده همومنا ونتقاسمها معه، فكم بالحريّ إذا كان هذا الصّديق هو الله نفسه؟ نصلّي حتّى نذكر أنّنا "لسنا مقطوعين من شجرة" (كما يقولون)، لا، بل لنا جذورنا، وجذورنا هذه ضاربة عميقاً فوق، في السّماء، فنصلّي، إذاً، لأنّ لنا في الصّلاة عودةً إلى الجذور. بالصّلاة نذكر أُصولنا السّماويّة ونعود إليها. بلا صلاة نحن أرضيّون، نتحرّك في هذه الأرض ونبقى فيها. بالصّلاة نحن سماويّون، نتحرّك في الأرض لننطلق منها إلى السّماء، لنجعلها مِعراجنا إلى الله، حتّى، إذا ما عُدنا إليها، نعود حاملين لها البشرى التي ستزفّها إلينا ملائكة السماء يوم الأحد القادم، حاملين اليها فرح السّماء وسلام السّماء. نصلّي كيما، بوقوفنا في حضرة الربّ، نتذكّر حجمنا الطبيعيّ فنتّضع. من منافع الصّلاة العظيمة أنّها تُعلّمنا الاِنكسار الذي يُعوزنا كثيراً كي نذكر، على الدوام، معطوبيّتنا فلا نستكبر. ثَمةَ، في هذه الدُّنيا، أمورٌ كثيرة تُغوينا وتجعلنا نَسكر بأنفسنا: أموالٌ نجنيها، نجاحات نحقّقها، مواهبُ تمتاز بها، إطراءات نسمعها من هذا وذاك، هذه كلّها- وغيرها كثير- تُغرينا وتجرّبنا بالغرور والاِستكبار فننخدع ونظنّ، واهمين، أنّنا بِتنا شيئاً مُهمًّا، والحال أنّنا لسنا سوى "عبيد بطّالين"، وأنّ هذه جميعها ما كانت لتكون لولا فضل الله علينا "ليكون فضل القوّة لله لامنّا" (2 كور 4: 7)، وأنّ هذا الذي حسبناه مَدعاةً للتباهي سُرعان ما يذبل ويتلاشى فلا يبقى، في النهاية، إلّا ما ارتسم علينا من نور وجهه المبارك. نصلّي كي ندخل في حوار مع الله. فإلهنا يحاور، وحوارنا معه يشدّنا إليه، وبقدر ما يشدّنا إليه يشدّنا بعضًا إلى بعض. في هذه الدّنيا كثيرة هي الأمور التي تفرّقنا: أهواء، مصالح، مال، سياسة... إلخ، هذه كلّها تفرّقنا وتنشئ بيننا خصومات. وحدها الصّلاة تجمعنا لأنّنا بها نذكر أنّنا لسنا مجرّد جماعة دهريّة سوسولوجيّة، بل جماعةٌ شكريّةٌ أسرارية تحكمها قواعد السّماء لا قواعد الأرض.
 
بطريركنا يوحنّا العاشر يصف المسيحيّ بالكائن المسبِّح (الهيمنولوجيّ). التسبيح عمله، على حدّ تعبير القدّيس إِسحق السّرياني، الذي يقول: "وليس له عملٌ آخر ضروريٌّ ليكمله أعظم من الصّلاة. لأنّ الدّالة عند الله إنّما تتكوّن من مفاوضته ومداومة محادثته في الصّلاة".
لربّما كانت ترجمة هذا الكلام أنّ شغلة المسيحيّ الأساسيّة هي الصلاة، وأنّه في مناخ الصلاة يعمل ويُنتج ويخدم ليكون كلّ ما يعمله ثمرة صلاة.
 
أخبارنا

 أُمسِيَتا أناشيد دينيّة
 
ببركة صاحب السّيادة المتروبوليت أفرام (كرياكوس) مطران طرابلس والكورة وتوابعهما للروم الأرثوذكس الجزيل الاِحترام ورعايته، تقدّم جوقة الأبرشيّة أُمسِيَتَيْ أناشيد دينيّة وفق البرنامج التالي:
الخميس 22 كانون الأوّل: قاعة كنيسة الظّهور الإلهي بجانب المطرانيّة، الساعة السّابعة مساءً.
تسبق الأُمسية صلاةُ الغروب السّاعة السّادسة مساءً في كنيسة ميلاد السيّدة في المطرانيّة.
الجمعة 23 كانون الأوّل: قاعة كنيسة القدّيس جاورجيوس في بشمزّين، السّاعة السّابعة مساءً.