كلمة الروح ورداء الروح
[1] للأب إيليّا كليوبا
أعمق صوت ينبع من قلوبنا هو الضمير، صوت الله في الإنسان، الذي يدعونا إلى الخير ويمنعنا من الشّر، وهذا هو روح الكلمة. روح الكلمة، كما يسمّيها القدّيس يوحنّا الدمشقيّ، هي الكلمة التي تأتي من الداخل، وقد وضعها الله في القلب أثناء خلقه، والتي نتكلّم بها في الخفاء، سرّيًّا، لكونها غير منطوق بها؛
لأنّنا لا نتحدّث بها، دائمًا، بصوت مسموع.
الكلمة المنطوقة هي رداء الكلمة الصادرة من القلب والتي نتكلّمها. فأنت تقرأ الكتاب عقليًّا دون تحريك اللسان، وهذه هي روح الكلمة التي تقع سرًّا في القلب حيث يضعها الله، ومن خلالها نتحدّث نحن معه سرًّا لا سيّما في الصلاة، وتسير بانسجام جنبًا إلى جنب مع الضمير.
إذا أخطأت يَبكّتني الضمير، وإذا أتيت الخير يكون راضيًا. تعمل الكلمة الداخليّة الخفيّة مع الضمير، فعندما لا يتّهمني أحد ولا يدينني توبّخني هي وتبكّتني. ويقول القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم في هذا الصدد: "الضمير قاض عادل. لا يمكن إغوائه لا بالمال ولا بالمداعبة ولا بشيء آخر". فبقدر ما نُرضي ضميرنا حتّى لا يدين خطيئتنا، بقدر ما نشعر بالنور والقرب من الله، وأمّا عندما يقع شيء مخالف، يصرخ الضمير على الفور، ويصبح الأمر صعبًا عليك".
يعمل الضمير بثلاث طرائق، كما يقول القدّيس دوروثيوس: بما يتعلّق بالمادّة وبالله وبأنفسنا. كيف يتّم هذا؟ على سبيل المثال: أعطيتك بعض الملابس وأوصيتك بالاعتناء بها والمحافظة عليها. فإذا مزّقتها وأتلفتها، فسيوبّخك ضميرك وتلوم نفسك قائلًا: "آه، لم أفعل كما أمرني ذاك الرجل!" مثال آخر: عندما تبدأ في إنفاق الكثير على الطعام أو المشروبات، فيما يوجد فقير ليس لديه ما يقتات به، ينبري ضميرك يحتجّ: "أتريد أن تعيش سعيدًا في هذا العالم فيما الآخر يتضوّر جوعًا ليس لديه ما يسدّ به جوعه؟"، فالضمير النقيّ يبقيك، دائمًا، قريبًا من الله. إذًا، بما يخصّ الله يكون الضمير مثقلًا أو مرتاحًا اعتمادًا على ما إذا كان لديك توبة ودموع على خطاياك.
أمّا فيما يتعلق بنفسي، فإنّ ضميري يبكّتني على الخطيئة سيّان كان ذلك في الفكر أو القول أو الفعل
. ويقول القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم في هذا السياق: "لم يضع الله قاضًيا لك من الخارج حتّى لا تخدعه أو تتمكّن من إغوائه،
فهذا القاضي موجود في داخلنا ومن المستحيل إغراؤه بأيّ شيء"
.
واسمع ما يقوله القدّيس ديونيسيوس الأريوباغيّ: "الفكر النقيّ هو بهجة النفس وفرحها، والفكر الملوَّث الملطَّخ عذابها".
يمكن للعالم كلّه أن ينعتني بالقداسة أو الصلاح أو أيّ لقب آخر، ولكن إذا قال لي الضمير: "حذار، فأنت خاطئ وكسول ومليء بالخطايا"، فلن أكون راضيًا. نعم، إذا كان العالم كلّه يمدحني فيما ضميري يدينني: "أنت مذنب" سأكون الشخص الأكثر عذابًا في العالم، وتتحوّل كلّ معرفتي الداخليّة بالله عذابًا لا حدّ له، والتي لا تدّخر جهدًا في الحكم حكمًا صحيح، مشيرة إلى نقاط الضعف المستوطنة فيّ.
عندما يدينك ضميرك، يمكنك أن ترضيه بالاعتراف، وهذا أمر سهل عليك، وإذا كان نزيهًا لا تشوبه شائبة، فعندئذٍ لو وبّخني الجميع وقالوا فيّ السوء، فهذا لا يمسّني على الإطلاق. إنّه لأمر جيّد عندما لا يدينني الله ولا يحكم عليّ من خلال ضميري. إن كان الله وضميري لا يدينانني في خطيئة ما، فلا ريب سأكون في قمّة الفرح، وهذا هو بالضبط ما يقوله الإنجيل: "طوبى لكم إذا عيّروكم واضطهدوكم وقالوا عليكم كلّ كلمة سوء من أجلي كاذبين" (متى 5: 11).
لأيّ سبب أتت هذه الطوبى؟ من أجل الحقيقة، فهو لا يقول، فقط، إنّنا يجب ألّا نحزن، وإنّما يأمر: "افرحوا وابتهجوا فإنّ أجركم عظيم في السماوات" (متى 5: 12).
وعلى هذا، إذا كان ضميرك نقيًّا صافيًا لن يزعجك، وإذا كان ملوَّثًا ويوبِّخك إذهب إلى الكاهن للإعتراف، وسوف يحرّرك من خطاياك. ويمكنك، عندئذ، تحقيق السلام مع ضميرك وتكون أكثر يقظة وحرصًا على عدم الوقوع في الخطأ بعد الآن. وهكذا، فبعد أن تكون قد تصالحت معه، وفي الوقت عينه، قد تصالحت مع الله، سيحلّ السلام والهدوء في داخلك، وتنعم بفرح أكيد.