الساعة الأخيرة
"كما وُضع للناس أن يموتوا مرّة واحدة ثمّ بعد ذلك الدينونة" (عبرانيّين 9: 26).
الدينونة هي الأمر الوحيد الذي لا يرتاب أحد من حقيقته، وذلك لأنّه هناك من يتجاسر على اتّخاذ موقف معيّن حيال كلمة الله، فهم بحسب أنانيّتهم ومصلحتهم يقبلون أو يرفضون هذا القول أو ذاك. ولكن أيّ إنسان منهم تجرّأ على إنكار حتميّة موته يومًا ما؟ إن كان له علاقة بكلمة الله والإيمان المسيحيّ أو لم يكن له، فلا أحد يستطيع أن يزيد شيئًا حول هذه الحقيقة التي تتحقّق أمام أعيننا بتواتر.
فنحن نرى، كلّ يوم وكلّ ساعة أمواتًا يصحبهم ذووهم إلى مقرّهم الأخير ليس، فقط، من الشيوخ المسنّين المتوقّع خروجهم من هذه الدنيا كنتيجة طبيعيّة لطول عمرهم أو لأمراضهم وأسقامهم، بل نندهش لشباب يافعين بل ولأولاد صغار وأطفال رضّع يودّعون هذه الحياة دون أن يعترض أحد على الموت أو يهاجمه لظلمه وإجحافه بهم.
لا أحد، أيضًا، يقدر أن ينكر بأنّ ساعة الموت مجهولة وغير مؤكّد وفودها. يستطيع المرء أن يطرد من ذهنه ساعة موته لكونها مزعجة له ولإتمام مشاريعه؛ وله، أيضًا، إمكانيّة تجنّب الحديث حول الموت وتحاشيه لما فيه من ألم وتنغيص لمسرّاته. له، كذلك، أن يقضي وقته بلا مبالاة أو اكتراث وكأنّه سيخلَّد هنا على هذه الأرض. ولكن من يمكنه ألّا يقبل حدوث موته بعد ساعة مثلًا؟ لا ريب أنّ الجميع يتّفقون حول هذا الرأي أمؤمنون كانوا أم غير مؤمنين، مؤكّدين قول النبيّ في مزموره: "الإنسان مثل العشب أيّامه وكزهر الحقل كذلك يزهر" (مزمور 103: 15).
ولذلك، يشدّد الربّ بضرورة السهر قائلًا: "اسهروا إذًا لأنّكم لا تعلمون متى يأتي ربّ البيت أمساء أم نصف الليل أم صياح الديك أم صباحًا لئلّا يأتي بغتة فيجدكم نيامًا. وما أقوله لكم أقوله للجميع اسهروا" (مرقص 13: 35-37). والقدّيس بولس يؤكّد في رسالته الأولى إلى أهل تسالونيكي: "لأنّه حينما يقولون سلام وأمان حينئذ يفاجئهم هلاك بغتة كالمخاص للحبلى فلا ينجون. وأمّا أنتم أيّها الإخوة فلستم في ظلمة حتّى يدرككم ذلك اليوم كلصّ... فلا ننم إذًا كالباقين بل لنسهر ونصحُ" (1تسالونيكي 5: 3-6).
فطالما أنّه لا أحد ينكر أنّه سيموت، ولا هي معروفة ساعة موته ولا أين ولا كيف، فكيف إذًا يؤجّل غالبيّة المسيحيّين ليس، فقط، الاهتمام بإصلاح نفوسهم بل أن يتوبوا ويعترفوا؟ ألا يخافون، يا ترى، أن تأتي ساعة لا يظنّونها سواء كانوا بمفردهم (وبالحقيقة ما أهمّيّة أن يكون قربهم أقرب الأحبّاء بما أنّهم لا يستطيعون أن يمدّوا لهم يد المساعد في تلك الساعة الرهيبة) ويغلقون أعينهم عن هذا الحاضر الباطل.
أين سيذهبون؟
وكيف سيمثلون أمام الربّ الديّان؟
وأي تبرير سيقدّمون؟
هل يستندون على ممارسة الأسرار المقدسّة التي طالما مارسوها بحكم العادة وحسب؟
ماذا يوجد لديهم ليعتذروا عندما سيسمعون بأنّ هذه الأسرار عينها ستدينهم لأنّهم لم يتناولوها بإيمان كمؤمنين لكي ينصلحوا ويتغيّروا إلى أشخاص أخر؟ ماذا سينفعهم أن كانوا يعترفون ثمّ يعودون إلى ارتكاب الأخطاء عينها واقتراف الجرائم ذاتها؟ لماذا يستخفّون بالموت الأبديّ إلى هذه الدرجة؟
لماذا يتابعون، وبمعرفة تامّة، عيش الخطيئة وكأنّها غير مهمّة ولا تستأهل الجهاد في سبيلها؟ لماذا لا يتحاشون كلّ سبب يزجّهم في الخطيئة؟
ما الذي يفرّقهم، إذًا بعد ذلك، عن أولئك الذين لا يؤمنون بالحياة الأبديّة؟ هل يدّعون الجهل بكلّ هذا، ولكن لماذا أعطانا الربّ الكتب المقدّسة أليست لكي تنبّهنا وتجعلنا مستعدّين لهذه المحاسبة المخيفة؟
نعم، أيّها الأحبّة، سنموت كلّنا، ولكن متى وكيف فهذا غير معلوم. الساعة الأخيرة تحدّد إمّا خلاصنا وإمّا هلاكنا. فلنفتكر، دومًا، بأنّ كلّ ساعة قد تكون هي الساعة الأخيرة من حياتنا، ولنستعدّ لها كما يجب علينا كمؤمنين حقيقيّين لكي نسمع الصوت القائل: "نعمّا أيّها العبد الصالح والأمين (في جهادك)... هلمّ إلى فرح سيّدك".
[1] عن النشرة اليونانيّة VOrqo.doxoj Filo.qeoj Marturi.a 1991