نصائح قيّمة للشيخ إيرونيموس/إيينا
[1]
لم يكلّ الشيخ، يومًا، عن أن ينثر نصائحه على أبنائه قائلاً: "ثابروا على الصلاة، واستعدّوا لكي تتألّموا من أجل مجد اسمه. فالصلاة تساعد على احتمال العذابات". اهتمام واحد شغله ألا وهو أن يلتصق عقله، دائمًا، بالصلاة، مقتديًا بقول الشيخ يوسف الهدوئيّ الآثوسيّ: "لا تتنفّس إلاّ الصلاة".
نظّمت الصلاةُ حياة الشيخ في إيينا، فهو لا يفضّل شيئًا آخر عليها، إذ بها تتبلور أموره، وتغدو شفّافة واضحة. الصلاة بالنسبة له هي الخبز والماء والهواء المحيي، ومن دونها تضحي نفسه قفرًا شديد اليباس. هي العاضدة القويّة في المحن والمصاعب، والدرع الذي يصدّ ضربات الشياطين، الذين لا يتوقّفون عن تسليط الهجمات العنيفة عليه لدفعه إلى قعر اليأس القبيح، لكنّه لبث كالبرج، ثابتًا إزاء هجماتها لا يتزعزع، ولم يسمح لها بانتزاع فرحه منه.
اقتبس الشيخ قول الرسول بطرس: "أرى من الحقّ أنّي ما دمت في هذا المسكن أن أنبّهكم بإنذاري..." (2بط 1: 13) من مكائدها، ويقول لهم: "كونوا، دائمًا، فرحين جذلين. أقصوا الغمّ، ولا تستقبلوه في داخلكم مهما تراكمت شدائدكم، لأنّ الكآبة تسيئ إلى النفس والجسد معًا. تجري الحياة على منوال واحد: آلام تعقبها أفراح، وأفراح تليها أحزان، فالحياة محفوفة بالمخاطر، ومزروعة بالأشواك، لأنّ "أيّام هذا الدهر قليلة ورديئة" (تك 47: 9)، فحاولوا أن تترفّعوا عن الهوى.
كونوا أحرارًا، ولا تدعوا شيئًا يستعبدكم. تقبّلوا الحزن والفرح، دومًا، باعتدال، فلا تفرطوا في الحزن، ولا تغالوا في الفرح. واحذروا الكدر الشديد على أيّ ضيق يكتنفكم. وأمّا اليأس، فاطرحوه عنكم بعيدًا، فالله لا يريدكم أن تقعوا في الكآبة، لذا، أغلقوا أبوابكم دونها، وضعوا محنتكم جانبًا، ولا تأبهوا لها البتّة. أن يتكدّر المرء شيء، وأن ييأس شيء آخر، فالغمّ والقنوط كلاهما يأتيان من الأبالسة، والمسيحيّ الحقيقيّ لا يعرف الجبن ولا اليأس.
لا تدعوا أثقال الشجن تجتاحكم، لأنّ الله يبادر سريعًا إلى معونتكم فينتشلكم منها، وتذكّروا كم من أشخاص مشلولي الأعضاء، وآخرين يلازمون الفراش يعانون من أمراض مزمنة لا شفاء منها.
عندما يحدق بكم الحزن أو القلق أو الغمّ، الجأوا إلى الدرس والصلاة، أو إلى أيّ شيء يساعدكم على طردها وإقصائها عن نفوسكم. لا تتأثّروا بسهولة من أيّ كلام يوجّه إليكم، فكلّ واحد إنّما يكلّمكم بحسب مزاجه ونمط حياته.
أغضّوا الطرْف عمّا ينزله بكم أعداؤكم، ولا تدعوهم يكونون سببًا لأحزانكم، وإن ترككم الجميع، فلا تغتمّوا، لأنّ مسيحنا لا يتخلّى عنكم.
صلّوا ليكون موضوع حزنكم الوحيد هو عندما تخطئون إلى سيّدنا يسوع المسيح، فالألم الوحيد الذي لا أتحمّله هو عندما أُحزنُ المسيحَ كبطرس الرسول الذي ظلّ يبكي جحوده لمعلّمه الإلهي بمرارة. كان حزنه من صميم القلب، ورغم أنّ الربّ غفر له، للحال، ودعاه ثانية إليه إلاّ أنّ بطرس لم يكن يستطيع التوقّف عن البكاء، لهذا أكرّر لا تحزنوا إلاّ على خطاياكم لأنّها تحزن الله.
لا تكتئبوا خوفًا من القصاص الأبديّ، بل محبّة بالله، لأنّ الخطيئة موجّهة، دائمًا، ضدّ الله كما يقول المزمور: "إليك وحدك أخطأت والشرّ قدامك صنعت"، وأن أسأنا إلى قريبنا أو سبّبنا له الحزن نكون بهذا قد أخطأنا إلى الله نفسه وأحزنّاه.
مغبوط هو الإنسان المستحقّ أن يرضي الله على غرار العذارى العاقلات، لأنّه سيحظى بالنصيب الأكبر من الفرح والسعادة بين الناس. فما من فرح أعظم من هذا يناله المجاهد في جهاده ضدّ الخطيئة وتغلّبه عليها وعلى الشرّير، لأنّه يمدّه بقوّة كبيرة.
قد يستحيل عليكم، الآن، أن تفهموني... لا شكّ أنّكم سوف تدركون هذا، لاحقًا، وتعرفونه بالخبرة، فهو ليس صعبًا... توسّلوا إلى الله لكي يهبكم هذا الفرح، فرح الكاملين الذين بلغوا إلى ملء قامة المسيح، إلى فرح القيامة الطافح".
[1] عن كتاب عصفور غيلفيري لصوتيريّة نوسّي. ترجمته عن اليونانيّة:
Presbytére Anna: L’oiseau de Guelvéri. Vie de Jérôme d’Egine, Géronda et Saint Ancien. Collection: la lumière du Thabor. Edition: L’âge d’homme. الكتاب قيد التعريب.