الميّزات التي تخصّ القدّيسين للأب توماس هوبكو
 الميّزات التي تخصّ القدّيسين للأب توماس هوبكو [1]
 
** هناك ميّزات تشمل كلّ القدّيسين، لا فرق أين عاشوا ولا إلى أي وطن انتموا، فكلّ قدّيس يركّز حياته ويُوجّهها نحو الله، مبتغيًا الأمر الواحد الضروريّ: العمل بإرادة الله وتمجيده. كلّ قدّيس يجاهد ليبلور حياته بحسب حياة يسوع، أن يتبعه ويحفظ وصاياه ويقتدي بمثاله. كلّ قدّيس يعيش بإلهام الروح القدس ويعلم أنّه من دونه لا يمكن لإنسان أن يصنع الصلاح ويقرّ بالحقّ ويرى جمال الخالق في حياته. كلّ قدّيس تعني له حياة الآخر، متخلّيًا عن خيره الخاصّ لأجل خير الآخرين، يفرح لفرحهم وخيرهم، وهذا يكفيه.
 
** كلّ قدّيس يقبل ذاته كما هي ويقتنع بشخصه ومكانته في الحياة، مقدّسًا إيّاها وفق الإمكانيّات الحاضرة التي منحه إيّاها الله؛ فالخادم ليخدم والعامل ليعمل. الراعي ليقود والأهل ليُربّوا. الباحث ليبحث والطالب ليدرس. المسؤول ليُدير والمنتج لينتج والفنّان ليُبدع. كلّ واحد يقوم بما يختصّ به، وبحسب ما أعطي له من وزنات ومواهب، مسخّرًا الكلّ لمجد الله وخير الآخرين.
 
**  كلّ قدّيس يحيا في الوقت الحاضر، في زمنه وفي مكان وجوده، فلا يحزن أو يتضايق، البتّة، على الماضي، ولا يقلق للمستقبل. لا يتمنّى، أبدًا، أن يكون في مكان آخر وفي ظروف أخرى ومع أناس آخرين. كما لا يتمنّى أن يكون شخصًا آخر، فهو يثق بالله ويتّكل عليه في كلّ الأمور ويعمل ما يجب عمله أو ممكن عمله في الظروف المعطاة له. يعلم القدّيس كيف يقوم بواجبه سريعًا دون إبطاء، لأنّ الحاضر، فقط، هو في يديه.
 
** كلّ قدّيس ينتبه بدقّة لكافّة التفاصيل ويعمل أصغرها، وإن كان عملًا بسيطًا لا معنى ولا قيمة، بمحبّة وتفان كبيرين. لا شيء عنده يُدعى عملًا صغيرًا أو حقيرًا لا أهمّيّة له، ولا يوجد عنده ما يُسمّى مهنة مهينة، فكلّ شيء له أهمّيّته وقيمته الأبديّة في نظره، وله معنى أمام الله. كلّ قدّيس يُبدي اهتمامه بالناس ومشاكلهم وهمومهم لا للمنشآت والمؤسّسات والأحزاب والبرامج والمناصب. يُعطي القدّيس الاعتبار للشخص، فقط، وما تبقّى فهو ثانويّ وموجود لخير الإنسان وحسب.
 
** لا يكون القدّيس موضوعيًّا، أبدًا، فهو لا يحبّ البشريّة ولا يخدمها بشكلها العامّ، وإنّما يحبّ الشخص كفرد، ويخدم القريب الذي وضعه الله في دربه مهما كان الأمر يبدو صعبًا، ويُساعده بطريقة إلهيّة. كلّ قدّيس يُحبّ خليقة الله الحسنة كلّها، ليس فقط الأشخاص، بل والحيوانات والنباتات وكلّ ما أوجده الله لخير البشريّة. لا يُجدّف القدّيس، على الإطلاق، على العالم الحَسَن الذي خلقه الله، بل يفرح بجمال الخليقة الممنوحة لأجل تمجيد باريها. كلّ قدّيس هو إنسان واقعيّ بامتياز، لا توجد لديه مقاييس بحسب المشاعر وما تُمليه العواطف، ولا وجهات نظر جزئيّة، ولا آراء خاصّة في فرض الأحكام، ولا يسعى للحصول على منافع خسيسة. يمكن أن يكون لديه أهواء طبيعيّة وأعمال حماسيّة متّقدة، وقناعة شديدة من جهة الحقيقة الكاملة التي لله وللإنسان، وتكون لخير الجميع دائمًا.
 
** كلّ قدّيس يتألّم – بفرح وتهليل- لأجل الآخرين. لا يتخلّى القدّيس عن صليبه، بل يُحبّه كدرب له نحو قيامته. يحبّ موته لذاته كطريق لحياته في الله. يُحبّ أن يُذلّ ذاته وأن يُذلّه الآخرون، إن كان ذلك لأجل خلاص أحدهم. لا يُحبّ القدّيس العذاب، ولا الآلام والضيقات بحدّ ذاتها، إنّما هو إنسان واقعيّ ويعلم ما هو صالح لأبديّته ومستعدّ لأن يدفع ثمنها باهظًا وأن يبذل دمه إن لزم الأمر لأجل الملكوت.
 
** كلّ قدّيس يكره الخطيّة الكامنة في ذاته وعند الآخرين، لكنّه يُحبّ الخاطىء، ويُحبّ، أيضًا، أناه كما خلقها الله على صورته ومثاله محبوباً ومُخلَّصًا في المسيح يسوع. يعرف القدّيس ذاته جيّدًا ويعتبرها أكبر الخطأة، فقداسته ذاتها هي التي تمنحه هذه المعرفة. وكمثل الله يُحبّ القدّيس الناس الخاطئين ويصنع معهم الخير كتعبير عن محبّته لهم.
 
** كلّ قدّيس يعرف الشيطان وقدرة الشرّ الكامنة فيه، فيحاربه حتّى آخر نفس من حياته، في ذاته وفي الآخرين. لا يُبرّر القدّيس، أبدًا، الخطيئة، ولا يدع أيّ مجال لتحليل الشرّ. واجبه أن يغلب الشرّ لا أن يفسّره، وأن يدمّر الشيطان لا أن يُحاوره. وما يدلّ على قداسة شخص ما هو كثافة مهاجمة الشيطان له ومن القدرة التي بها يغلبه.
 
** كلّ قدّيس يصوم ويُصلّي ويحيا في ملء حياة الكنيسة. فمعيار القداسة (عند الرجال كما لدى النساء) هو أن يكون: مؤهَّلًا لعمل النعمة فيه، ومستنيرًا بالحكمة الإلهيّة، وملهَمًا بمحبّة الله، ومُحرَّكًا من الروح القدس الفاعل فيه بشكل مستمرّ. كلّ قدّيس يعرف أن يُحوّل روتين وجوده القصير على الأرض والمحدود والبشريّ والتافه والدنيويّ إلى فردوس ملكوت الله. وبحسب الكتاب المُقدّس كلّنا مدعوون إلى القداسة،  "إلى المدعوّين ليكونوا قدّيسين". (رومية 1/7).
 
[1] عن الفرنسيّة/موقع: الأرثوذكسيّة.