يستحيل علينا أن نحلّ المشاكل من دون الله للشيخ إيليّا

يستحيل علينا أن نحلّ المشاكل من دون الله
للشيخ إيليّا (١)

   ** سؤال: أيّها الأب، تنشط، اليوم، دعايات تتناول العلاقات غير التقليديّة أو المعروفة بين الجنسين.  تسلّط الشركات الإعلاميّة الضوء على هذه الرذيلة بقوّة، وتتحدّث عنها علنًا، ما حدا بهذه العلاقات أن تنخفض إلى مستوى الغرائز البهيميّة. فإلى أين سيؤدّي بنا هذا كلّه؟١-(1).jpg

   ++ الجواب: إنّنا نعلم بأنّ كلّ خير يأتينا من الله، إذ لا صلاح خارج عنه. فعظمة العالم، ذاته، بكلّ جمالاته تأتي من الله. ويمتدّ وجود الإنسان، الذي يحيا في الله، ويتّسع في توازن بين قواه الروحيّة والقوى الفيزيائيّة لديه. الله بحدّ ذاته أبديّ، وحياة الإنسان على الأرض معدّة للأبديّة، وإن كنّا لا نعلم كم يدوم هذا من الزمن، وأقصد المرحلة الحاليّة لحياتنا قبل أن يأتي يوم الدينونة. إنّه من المستحيل أن نحلّ المشاكل دون أن ندرك وجود الله الحاضر في كلّ مكان والمالئ الكلّ، ونتلمّس إرادته الصالحة وقدرته الكلّيّة ومحبّته للبشريّة. لن يستطيع الإنسان، أبدًا، أن يُنظّم حياته في الطريق السليم دون أن يحتاط من الشياطين وقوّاتها المظلمة ويحسب لها حسابًا. يوجد قطبان في العالم: الحياة في المسيح، ورفض الله ونكرانه. فعندما نبتعد من الله، يعني أنّنا تعرّضنا إلى تجربة شيطانيّة، فنجد ذواتنا خاضعين تحت سلطة الأرواح المظلمة، فنبتعد، عندئذ، عن المفهوم الصحيح للأمور الإلهيّة، ولا نصل سوى إلى المفهوم المضادّ الذي هو شيطانيّ. فنتسكّع في الظلام، ونستسلم إلى مختلف الاختبارات والمعارف، ونحيا حياة بعيدة من الله لها معتقداتها ومفاهيمها الخاطئة. ففي مثل هذه الظروف، يُخطئ الإنسان في التفتيش السليم عن ماهيّة الأمور التي تجري حوله.

   يرتكز كل الموضوع هنا على أخلاقنا. يجب، قبل كلّ شيء، أن نتذكّر بأنّ الله موجود، وبأنّ الإنسان يمتلك روحًا سامية، وتوجد حياة أبديّة. تثبّتت هذه الحقيقة ببراهين كثيرة لا نقدر تعدادها، والجميع يخبرون عنها. انظر إلى نفسك، أيّها الإنسان، وانظر إلى ما هو حولك! انظر إلى الحياة والحقيقة! لدينا الكتب المقدّسة التي تشهد، منذ آدم وحتّى اليوم، عن حقيقة وجود الله. وكم هناك من رؤى أخبرت عن العالم الآخر! لدينا الآلاف من الأمثلة، وجميعها تتكلّم عن الحقيقة الإلهيّة، ولا شيء، البتّة، يُعارضها. هناك تجارب شيطانيّة، وهؤلاء الناس البائسين الذين يخضعون لأضاليلها، بالمعنى الأكمل والحقيقيّ لهذه العبارة، ينكرون الاعتراف بالحقيقة الإلهيّة وبالتاريخ الحقيقيّ. 

    بالنسبة إلينا، لدينا الانطباع المثاليّ أنّه بفضل المسيحيّة وحياتنا الأخلاقيّة الثابتة، قد بلغنا إلى اكتشاف العديد من الأمور سواء في التكنولوجيا أو في الثقافة، أو في أمور أخرى على الأصعدة كافّة. والاختراعات الحديثة أمثال الصواريخ والهاتف المتنقّل وسواها... هي بفضل العهد الجديد والمسيحيّة، ومع هذا لا يريد الإنسان أن يُسلّم بأنّه أبديّ وله روح سرمديّة، وهذا، لا ريب، من الشيطان. فإن عاش الإنسان بحسب قوانين هذا العالم الفاني، سيلمس بؤسه من دون الله، وسيكتشف تعاسته. ليست المشكلة التي أشرتم إليها بسبب تطوّر العلوم وإنما تتعلّق بفساد النفس. لا يريد الشباب ما هو خير لهم. إنّهم جهّال تمامًا لا يعلمون شيئًا، ولا يفهمون معنى للحياة، ومع ذلك يرفضون الله. من الثابت أنّنا عندما نحيا بعيدًا من دون الله، تفقد الحياة معناها السامي في داخلنا، ونخسرها. فالإنسان الذي يحيا من دون الله يضعف إيمانه وينقص، ولا يعود يحيا لا داخليًّا ولا خارجيًّا. ورغم هذا، لا يُريد أن يعترف بالله، أو بوجود حياة أبديّة، ولا التصديق بأنّ النفس البشريّة هي خالدة. يرفض هذه المفاهيم الصحيحة، ليس لأنّه لم يحصل على براهين تثبت له ذلك، إنّما لأنّ الشيطان يقوده كالحمار. ولكن إن أراد، فيكفيه أن يقول: "أيّها الربّ، ساعدني لكي أفهم حقيقتك". ولكن إن استمرّت الحياة بعيدة عن الله، كما هي اليوم، فهذا ينبئ بنتائج رهيبة يُهدّد بها.


   ** سؤال: لماذا نصحنا الآباء القدّيسون بالاعتدال؟ وبماذا يفيدنا؟ 

   ++ الجواب: كيف يمكن أن يضبط الإنسان ذاته من دون الاعتدال؟ فعليه تأسّس النسك، وعليه بُنيت أخلاقيّاتنا وقوّتنا وضميرنا. يولّد غياب الاعتدال نتائج سيئة، فمثلًا في نطاق العائلة: يأذن الأهل لأولادهم بتحقيق أمور عديدة، حتّى غدا مقتلهم على يد أبنائهم  ظاهرة جليّة، فلماذا؟ لأنّهم يسمحون لهم بكلّ شيء، فهل تفهمون؟ إنّها مسألة تربية. والكنيسة هي المربّي الأوّل. أعطي مثلًا آخر: لا تأذن بعض العائلات لأولادهم بالصوم، بيد أنّهم يسمحون لهم في شراء الألبسة والأطعمة، وكلّ ما يختصّ بالبذخ والترف!! يطلب الابن من والده أن يشتري له سيّارة، أو شقّة، فيقدّمها له بيسر بدلًا من أن يقول له: "انتظر حتّى تعمل وتربح المال بنفسك، فتشتري لذاتك، عندئذ، سيّارة أو شقّة أو... وهكذا تصير هذه المشتريات ثمينة في عينيك لأنّك تعبت في الحصول عليها، فتحرص عليها، وتقود سيّارتك باحتراس وهدوء، وأمّا إن قّدمت لك هذه الأشياء على طبق...". 

[1] الشيخ إيليا (نوزدرين)، أرشمندريت حامل الإسكيم الكبير، وهو، اليوم، في الرابعة والثمانين من عمره. ينتمي إلى الشركة الرهبانيّة التي في لافرا دير بسكوف. يُقيم في الجبل المُقدّس آثوس. ساهم في تقويم دير أوبتينا، وهو معرّف قداسة البطريرك كيريل بطريرك روسيا. جزء مقابلة أجرتها معه إحدى المواقع الروسيّة، سنة 2016. تعريب راهبات الدير.