الغضب للأب المغبوط إيمليانوس الرئيس السابق لدير سيمونس بترس
الغضب للأب المغبوط إيمليانوس الرئيس السابق لدير سيمونس بترس[1]
في 13/12/2022
 
         الغضب هو إحدى وثبات القلب وتحرّكاته، هو إحدى الانفعالات الموجودة في داخلنا والتي تخرج منّا تلقائيًّا أي عن غير إرادتنا. لذلك، إن لم ننتبه ونجاهد بتعقّل وتفهّم، فإن هذه الوثبات، (والتي نملكها كلّنا سواء خرجت عن طريق إصدار أحكامنا أو الخضوع لأفكارنا أو فرض اعتقاداتنا والتي غالبًا ما تكون ناتجة عن أنانيّتنا) ستتحوّل في نهاية المطاف إلى عربات حربيّة جارفة تسحقنا. من هنا، علينا أن ندرك جيّدًا ماهيّة الغضب ونجابهه بحكمة لئلّا نتصرّف وكأنّنا خلوًّا منه، فنقاتله بحكمة لأنّنا إن صارعنا بدون فنّ، بدون ذكاء بدون طاعة أصيلة، سنفقد الدالّة في الحرب الروحيّة، وسنجد أنفسنا عراة من دون سلاح.

الغضب هبة من الله، قوّة في نفس الإنسان وبإرادتنا نوجّهه نحو الخير أو نحو الشرّ. فعندما أوجّهه نحو الخير تهرب منّي كلّ الأفكار الشرّيرة. ولكن إن كنت أتخاصم مع الناس، مع الشيخ، معك أنت الذي لا تفهمني، الذي لا ترغب بي، الذي لا تسمعني، عندها يدمّر غضبي حتّى الأفكار الصالحة لأنّنا كلّنا لدينا عنصري الخير والشرّ.Screen-Shot-2022-07-22-at-2-26-14-PM-copy-(1).png

هناك طرائق متعدّدة لكي يتقدّم الإنسان، ومن المفيد لنا أن نجد الطريقة المناسبة لتقدّمنا. فهناك مثلًا من يتقدّم بهدوء ووداعة دون حاجة إلى ردع أو أقلّ ملاحظة، وآخر بالمنطق الروحيّ، وآخر عن طريق الصوم وثالث عن طريق الخبرة. ولكنّ هذا الأخير عليه أن ينسحق وتتركه يخطأ، أن تمرّ السنون، وأن يقلق ويقول: "ها قد بدأت الشيخوخة تطرق بابي وأنا لم أتعقّل بعد، فماذا ربحت من طريقة حياتي هذه؟ أين هي ثماري؟ متى صنعت ما أريده بالفعل؟ أين هي حرّيّتي المنشودة؟ أين هي فضيلتي؟ أين هو عدم استعمالي للمنطق؟ أين هي ثمار الروح القدس؟ ما زلت أغضب وأدين، فهل بإمكاني أن أمتلك الروح القدس داخلي عندما أدين الآخرين؟ وبما أنّ الله نفسه يعتبر الإدانة عملًا شيطانيًّا، ويقول بالدينونة التي بها تدين سأدينك، فكيف من الممكن لي بعد ذلك أن أمتلك الروح القدس وأن يكون المسيح عاملًا فيّ؟

         وعليه، فأنّنا نعي مدى فشلنا من الثمار التي نجنيها، ومع ذلك نقول من الأفضل أن نعمل ولو جاء العمل متأخَّرًا من ألّا نعمل أبدًا. من المستحسن أن يعود الراهب، ولو كان في عمر الخمسين، عن تهاونه من أن يموت في الفساد أو أن نرغمه نحن على تطبيق شريعة الله. إذًا، من الحكمة أن يقود الراهب نفسه بإرادته الحرّة حتّى تسير بشكل صحيح في طريق قطع الإرادة الذاتيّة للشيخ، بخاصّة، ولفائدته الشخصيّة. لأنّه إن لم يسلك هكذا، فإنّ الطاعة لن تخلّصه، إذ إنّ هذا النوع من الطاعة يقوده نحو التذمّر والغضب وضياع معرفة الجهاد...

         الغضب هو بطبيعته مبيد ومفسد ومضرّ ويجعل حياتنا الروحيّة تنحلّ، وعلينا ألّا نخلطه بمعناه المعتاد أي بتهيّج الأعصاب والغيظ. فعندما أقول لك مثلًا: "لا تفعل هذا الأمر" بينما أنت ترغب به، فبإمكانك أن تطيعني ولكنّك ستتنغّص داخليًّا كلّ يوم. وكما يذوب الثلج وتسمع أنت قطراته تتساقط رويدًا رويدًا، هكذا أنت ستذوب نفسك، يومًا بعد يوم، وستلحظ تغيّرًا في داخلك، وتتأسّف لعدم طاعتك داخليًّا وخارجيًّا، وستدرك عصيانك الفعليّ. هذا كلّه يجعل أعصابك تنفجر وتكتئب نفسك وتبدأ تعارض وتكره وتدين...

كلّ ما يجده الغضب في طريقه يذوّبه، فكما أنّ الإفراط في احتساء القهوة يؤدّي إلى إحداث ثقب في المعدة، هكذا يحصل، تحديدًا، مع هذا السمّ الداخليّ الروحيّ الذي هو الغضب. إنّه يفني الأفكار السيّئة منها والصالحة على حدّ سواء. لقد أعطانا الله الغضب لكي يكون سلاحنا وقوسنا الذي يوصلنا إلى السماء. فإن نحن وجّهناه نحو الخير الطاعة سنربح الله. ولكن إن فعلنا العكس، فإنّ الميول الصالحة في النفس تتحوّل نحو الشرّ. فمثلًا: إن كنت أملك المحبّة، فإنّ محبّتي تتحوّل شرًّا. وإن كنت أملك التواضع فإنّ تواضعي يغدو صغر نفسٍ. إن كان لدي شوق الله، سيصبح نرجسيّة، عاطفيّة أي شيئًا فاسدًا. يقول القدّيس إيسيخيوس: "أنا أعلم أنّه ليس الذئاب، فقط، تأكل الحملان، ولكن، أيضًا، الكلاب المسعورة". على هذا المنوال، بإمكان الزرع الصالح الذي في داخلنا أن يصبح مسعورًا، وأعني أنّ قوى النفس الصالحة التي وضعها الله فينا أيّ الغضبيّة والشهوانيّة والمنطقيّة والذهنيّة بإمكانها أن تصبح مسعورة وتتوجّه ضدّ القريب وفي النهاية ضدّ الله. لهذا، فنحن بأمسّ الحاجة إلى الانتباه حتّى نتحرّر وأن تخدمنا هذه القوى التي نحمل.

         تتفاوت درجة الغضب من شخص لآخر، فالبعض يغضب كثيرًا، والبعض الآخر أقلّ. فهل هذا يعني أنّ للغضب علاقة بطباع الإنسان؟ بالطبع نعم، فإنّنا لسنا كلّنا متشابهين. لقد خلقنا الله مختلفين الواحد عن الآخر. إنّ الأمر يتعلّق بالوراثة، ولكن له علاقة كذلك بالجهاد الروحيّ. فقد يولد أحدهم من أب هادئ ساكن لا يغضب، البتّة، فينشأ عديم الغضب. وآخر قد يغضب فعلًا، ولكن عندما يجاهد تسانده النعمة الإلهيّة وتعطيه هبة الوداعة. فالشخص الذي جاهد يأخذ أجرة من الله، بينما الآخر لن يحصل على أيّة أجرة لكونه لم يجاهد. فالأوّل صارت الوداعة لديه وسيلة ليصنع المعجزات وسيكافَأ على هذه المعجزات ولأنّه أصبح وديعًا. كلّ أمر روحيّ ممكن شفاؤه إن طلبناه بمعرفة من الله وسوف يعطينا إيّاه. ولكن عندما يترافق الطبع مع الروح يكون ذلك أفضل بكثير.       صحيح إنّ طبعنا ليس خاطئًا بحسب طبيعته، فالله لم يضع الخطيئة فينا، بل كلّ شيء صالح بحدّ ذاته. فإن كنت أنا بطبعي غير غضوب، فقد أكون سلبيًّا خنوعًا لا أقوم بأيّ عمل. وأمّا إن كنت من النوع الذي يغضب، فبإمكاني أن أحوّل هذا الغضب إلى قوّة، أن أجعله حربًا ضدّ إبليس، أن أحوّله ضد الأهواء والأفكار، أن أعمل بهمّة ونشاط وغيرة أعمالًا كثيرة أكثر من الشخص الهادئ، وهذا يسرى على كلّ شيء.
 
 

[1]مقتطفات من موضوع الغضب من كتاب: كلمة في اليقظة. شرح لأقوال القدّيس إيسيخوس Lo.goj peri. nh.yewj) Ermhnei.a sto.n a[gio Hsu.cio)