الأحد 13 حزيران 2021

الأحد 13 حزيران 2021

09 حزيران 2021
الأحد 13 حزيران 2021
العدد 24
أحد آباء المجمع المسكونيّ الأوّل 
اللحن السادس - الإيوثينا العاشرة

* 13: الشَّهيدة أكيلينا، * 14: النبيّ أليشع، مثوديوس رئيس أساقفة القسطنطينيّة، * 15: النبيّ عاموص، البارّ إيرونيمُس، * 16: تيخن أسقُف أماثوس، * 17: الشُّهداء إيسفروس ورفقته، الشُّهداء مانوئيل وصابل وإسماعيل، * 18: وداع الصعود، الشُّهداء لاونديوس ورفقته، * 19: سبت الأموات، الرَّسول يهوذا نسيب الرَّب، باييسيوس الكبير. *


التقدمة: الأنافورا (تابع) 
Anaphora


يصرخ الكاهن: "لنشكرنّ الرب!"

يجيب الشعب: "حقّ وواجب". "حقٌّ" باليونانيّة Axion أي مستحقّ، وهي العبارةُ الواردةُ في سفر رؤيا يوحنّا "مُستَحِقٌّ أنتَ... لأنّكَ ذُبِحتَ واشتريتَنا للهِ بِدَمِكَ... ونَظَرتُ وَسَمِعتُ صوتَ ملائكةٍ كثيرِينَ حولَ العَرش... قائلِينَ بِصَوتٍ عظيمٍ مُستحقٌّ هُوَ الخروفُ المَذبوحُ وكانتِ الحيواناتُ الأربعةُ تقولُ آمين، والشيوخُ خَرُّوا وَسَجدوا لِلحَيّ إلى أبدِ الآبدِين" (8:5-14)

يكشفُ لنا إفشينُ التقدمةِ عن تدبيرِ اللهِ الدائمِ والمُحِبِّ للبشر: "واجبٌ وَحَقٌّ ... أن نَشكُرَكَ ونسجدَ لكَ في كلِّ مواضعِ سيادتِك... لأنّكَ: (أوّلاً) أنتَ أخرجتَنا من العدمِ إلى الوجود؛ (ثانياً) بعدَ أن سقَطْنا عُدتَ فأقَمتَنا؛ (ثالثاً) وما بَرِحْتَ تَصنَعُ كُلَّ شيءٍ حتّى أصعَدتَنا إلى السَّماءِ ووهبتَنا مُلكَكَ الآتي"، أي الحياة الأبديّة. "مِن أجلِ هذه كلِّها نشكرُك".

يشرحُ القدّيسُ مكسيموس هكذا: نشكرُكَ لأنّكَ (أوّلاً) منحتَنا سبيلَ الوجود؛ (ثانياً) جعلتَنا في أحسنِ الوجود. محترِماً حرّيتَنا، (ثالثاً) وجعلتَ هذا الوجودَ دائماً مُمتدّاً إلى حياةٍ أبديّة: في ستّةِ أيّامِ الخَلْقِ أوّلاً، ثمّ في اليوم السابع المبارَكِ جعلْتَ الخَلْقَ حسناً جِدّاً، وفي اليوم الثامن، يومِ القيامة، أعطيتَنا غبطةً أبديّة. هكذا يكون تألُّهُ الإنسانِ ودُخولُه ملكوتَ السموات.

أخيراً يستمرُّ إفشينُ التقدمةِ بِقَولِه: "نشكرُكَ أيضًا مِن أجل هذه الخدمة التي ارتضَيتَ أن تقبلَها مِن أيدِينا..." فإنّ الإنسانَ المُعترِفَ الشَّكُورَ المُعتَرِفُ بِجَميلِ خالقِهِ يُصبِحُ إناءً لِصَلاحِ اللهِ وآلةً organ لِتَمجيدِه" حسبَ القدّيسِ إسحق السريانيّ.

أخيراً نُورِدُ ما أتى في كتاب المعزّي، في بابِ اللحنِ الأوّل، الأودية الثالثة: "إذ كنتَ إلهي أيها الصالح، ترأفتَ عليّ لدى سقوطي فارتضيتَ أن تنحدرَ اليّ ورفعتَني بِصَلْبِكَ لأهتفَ إليكَ صارِخاً: قدّوسٌ رَبُّ المجدِ الذي لا مَثِيلَ له في الصلاح".

+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما

طروبارية القيامة باللّحن السادس

إنَّ القوَّاتِ الملائكيَّة ظَهَرُوا على قبرِكَ الـمُوَقَّر، والحرَّاسَ صاروا كالأموات، ومريمَ وَقَفَتْ عندَ القبر طالِبَةً جسدَكَ الطَّاهِر، فَسَبَيْتَ الجحيمَ ولم تُجرَّبْ منها، وصادَفْتَ البتولَ مانِحًا الحياة، فيا مَنْ قامَ من بين الأمواتِ، يا ربُّ المجدُ لك.

طروباريَّة الآباء باللّحن الثامن 

أنتَ أيُّها المسيحَ إلهُنا الفائِقُ التَّسبيح، يا مَنْ أَسَّسْتَ آباءَنا القدِّيسينَ على الأرضِ كواكِبَ لامِعَة، وبهم هَدَيْتَنَا جميعًا إلى الإيمانِ الحقيقي، يا جزيلَ الرَّحمةِ المجدُ لك.

طروباريَّة الصُّعود باللّحن الرَّابع 

صَعِدْتَ بمَجْدٍ أيُّها المسيحُ إلهُنا، وفرَّحْتَ تلاميذَك بموعِدِ الرُّوح القُدُس، إذ أيقَنُوا بالبَرَكَة أنَّكَ أَنْتَ ٱبنُ اللهِ المنْقِذُ العالَم.

القنداق باللّحن السادس 

لمَّا أَتْمَمْت َالتَّدبيرَ الَّذي من أجلِنا، وجعلتَ الَّذين على الأرض مُتَّحِدِينَ بالسَّمَاوِيِّين، صَعِدْتَ بمجدٍ أَيُّهَا المسيحُ إلهُنا غيرَ مُنْفَصِلٍ من مكانٍ بل ثابتًا بغيرِ ٱفتِرَاق وهاتِفًا: أنا معكم وليسَ أحدٌ عليكم.

الرِّسَالة 
أع 20: 16-18، 28-36
مُبارَكٌ أَنتَ يا رَبُّ إلهَ آبائِنا
فإنَّكَ عَدْلٌ في كلِّ ما صَنَعْتَ بِنا


في تلكَ الأيَّامِ ارتأَى بولسُ أنْ يتجاوَزَ أَفَسُسَ في البحرِ لِئَلَّا يعرِضَ له أن يُبْطِئَ في آسِيا. لأنَّه كان يَعْجَلُ حتّى يكون في أورشليمَ يومَ العنصرةِ إِنْ أَمْكَنَهُ. فَمِنْ مِيلِيتُسَ بَعَثَ إلى أَفَسُس، فاسْتَدْعَى قُسوسَ الكنيسة. فلمّا وصَلُوا إليه قال لهم: ﭐحْذَرُوا لأنفُسِكُم ولجميعِ الرَّعِيَّةِ الَّتي أقامَكُمُ ﭐلرُّوحُ القُدُسُ فيها أساقِفَةً لِتَرْعَوُا كنيسةَ اللهِ الَّتي ﭐقْتَنَاهَا بدمِهِ. فإنِّي أَعْلَمُ هذا، أَنَّهُ سيدخُلُ بينَكم بعدَ ذَهابي ذئابٌ خاطِفَةٌ لا تُشْفِقُ على الرّعِيّة، ومنكم أنفُسِكُم سيقومُ رجالٌ يتكلَّمُون بأمورٍ مُلْتَوِيَةٍ لِيَجْتَذِبُوا التَّلامِيذَ وراءَهُم. لذلكَ، ﭐسْهَرُوا مُتَذَكِّرِينَ أَنِّي مُدَّةَ ثَلاثِ سنينَ لم أَكْفُفْ ليلًا ونهارًا أنْ أَنْصَحَ كلَّ واحِدٍ بدموع. والآنَ اَسْتَوْدِعُكُم يا إخوتي اللهَ وكلمةَ نعمَتِه القادِرَةَ أَنْ تبنيكُم وتَمْنَحَكُم ميراثًا مَعَ جميعِ القدِّيسين. إنِّي لم أَشْتَهِ فِضَّةَ أَحَدٍ أو ذَهَبَ أو لِبَاسَ أَحَدٍ، وأنتم تعلَمُونَ أنَّ حاجاتي وحاجاتِ الَّذين معي خَدَمَتْهَا هاتان اليَدان. في كلِّ شيءٍ بَيَّنْتُ لكم أنَّه هكذا ينبغي أن نتعبَ لنساعِدَ الضُّعَفَاء، وأن نتذكَّرَ كلامَ الرَّبِّ يسوعَ. فإنَّه قال: إنَّ العطاءَ مغبوطٌ أكثرَ من الأَخْذِ. ولـمَّـا قال هذا جَثَا على رُكْبَتَيْهِ مع جميعِهِم وصَلَّى.

الإنجيل
يو 17: 1-13


في ذلكَ الزَّمان رَفَعَ يسوعُ عَيْنَيْهِ إلى السَّماءِ وقالَ: يا أَبَتِ قد أَتَتِ السَّاعَة. مّجِّدِ ٱبْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ٱبنُكَ أيضًا، كما أَعْطَيْتَهُ سُلطَانًا على كُلِّ بَشَرٍ ليُعْطِيَ كُلَّ مَن أعطيتَه لهُ حياةً أبديَّة. وهذه هي الحياة الأبديَّةُ أن يعرِفُوكَ أنتَ الإلهَ الحقيقيَّ وحدَكَ، والَّذي أرسلتَهُ يسوعَ المسيح. أنا قد مجَّدْتُكَ على الأرض. قد أَتْمَمْتُ العملَ الَّذي أعطَيْتَنِي لأعمَلَهُ. والآنَ مَجِّدْني أنتَ يا أَبَتِ عندَكَ بالمجدِ الَّذي كانَ لي عندَك من قَبْلِ كَوْنِ العالَم. قد أَعْلَنْتُ ٱسْمَكَ للنَّاسِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَهُمْ لي مِنَ العالم. هم كانوا لكَ وأنتَ أعطيتَهُم لي وقد حَفِظُوا كلامَك. والآنَ قد عَلِمُوا أنَّ كُلَّ ما أعطَيْتَهُ لي هو منك، لأنَّ الكلامَ الَّذي أعطَيْتَهُ لي أَعْطَيْتُهُ لهم. وهُم قَبِلُوا وعَلِمُوا حَقًّا أَنِّي مِنْكَ خَرْجْتُ وآمَنُوا أنَّك أَرْسَلْتَنِي. أنا من أجلِهِم أسأَلُ. لا أسأَلُ من أجل العالم بل من أجل الَّذينَ أَعْطَيْتَهُم لي، لأنَّهم لك. كلُّ شيءٍ لي هو لكَ وكلُّ شيءٍ لكَ هوَ لي وأنا قد مُجِّدتُ فيهم. ولستُ أنا بعدُ في العالم وهؤلاء هم في العالم. وأنا آتي إليك. أيُّها الآبُ القدُّوسُ ٱحْفَظْهُمْ بـٱسمِكَ الَّذينَ أعطيتَهُمْ لي ليكُونُوا واحِدًا كما نحنُ. حينَ كُنْتُ معهم في العالم كُنْتُ أَحْفَظُهُم بٱسمِكَ. إِنَّ الَّذينَ أَعطَيتَهُم لي قد حَفِظْتُهُمْ ولم يَهلِكْ منهم أَحَدٌ إلَّا ٱبْنُ الهَلاك لِيَتِمَّ الكِتَاب. أمَّا الآنَ فإنِّي آتي إليك. وأنا أتكلَّمُ بهذا في العالَمِ لِيَكُونَ فَرَحِي كامِلًا فيهم.

في الإنجيل 

يُعتبر الإصحاح السابع عشر من إنجيل يوحنّا من أقوى الإصحاحات في الكتاب المقدّس، لأنّه حديثٌ مباشرٌ بين الابن والآب، كما يتكلّم الإنسان مع نفسه، فهو مثالٌ لنا في كيفيّة الصلاة.  بعد أن أنهى المسيحُ حديثَه الطويل السابق مع تلاميذه، بدأ حديثًا مع الآب، ورفع عينيه نحو السماء ليعلّمنا، عندما نصلّي، أن ننظر إلى السماء، فنسموَ بأفكارنا عن الأرضيّات.

في بداية حديثه أعلن اقترابَ ساعةِ إتمامه الفداء على الصليب، لأنّه يعرفها مسبقًا، وقد تجسّد من أجلها. "مَجِّدِ ابنك ليمجّدَكَ ابنُكَ أيضًا": 

مَجْدُ الاِبنِ هو إتمامُ الفِداءِ على الصَّليب، وتَمجيدُ الآب هو إتمامُ مشيئتِهِ الّتي هي خَلاصُ البَشَريّةِ بِالفِداء.  مَجْدُ الاِبنِ في تَجَسُّدِهِ كان مَخْفِيًّا، ولهذا يبدأُ المسيحُ هُنا في إعلان بعض أسرار هذا المجد، فهو صاحب السلطان الوحيد على كلّ الخليقة، وهو المانحُ الحياةَ الأبديّةَ بالفداءِ لِكُلِّ مَن يؤمن به.

الحياة الأبديّة هي معرفة الله، والوجود الدائم معه، والوصول إليها من خلال الإيمان بالمسيح المخلّص، الذي افتدانا على الصّليب، وعلّمَنا كيف نعيش مع الله على الأرض بحياتِه.

أكملَ المسيحُ مهمّتَه، ومجّدَ الآبَ بأن أتمَّ كُلَّ بِرِّ الناموس، ودعا الناس إلى ملكوت السَّماوات بالحديث المستمرّ عن الله الآبِ وكيفيّةِ الحياة معه. وأخيرًا بطاعة الآب في تقديم نفسه ذبيحةً على عود الصَّليب لفداء كلّ البشر.

المسيح كان يصلّي من أجل العالم الذي سيؤمن به. وكذلك على عود الصليب، صلّى من أجل صالبيه. ولكنّه خصّ بالصَّلاةِ هُنا تلاميذَه، بسببِ ما سوفَ يتعرّضون له، دون غيرهم، من اضطهادٍ ومَتاعبَ نتيجةَ وقوع مسؤوليّة الكرازة عليهم، واحتياجهم لمستوى أعلى من المساندة.

ولكنَّ تمجيدَ اسمِ المسيحِ وإعلانَه لم يَعودا مسؤوليّةَ التلاميذِ وحدَهم، بل مسؤوليّةَ كُلِّ أولادِ الله. فعلينا إذن مهمّةٌ عظيمة، وهي تمجيدُ اسمِ المسيحِ أمامَ كُلِّ مَن حَولَنا. ولن يتأتّى هذا إلّا بِعَمَلِنا بِوَصيَّتِه، وتوبَتِنا الدائمة، وجِهادِنا ضِدَّ شهواتِنا، فيختفي إنسانُنا العتيق، ويظهر عوضًا عنه مسيحُنا الساكنُ فينا.

"أيّها الآبُ القدّوس، احفظهم باسمك الذين أعطيتَهم لي ليكونوا واحدًا كما نحن". وما أَحْوَجَ الرُّعاةَ والخُدّامَ لهذه الطّلبة الآن، فَسَلامُ الكنيسةِ والمخدومين أساسُه محبّةُ الخدّامِ ووحدةُ فكرِهم.  وما أَحْوَجَ الكنيسةَ إلى أن تُصلّيَ مِن أجلِ رُعاتِها، حتّى يحفظَهم الله مِن حروبِ الفِرقةِ والتحزُّب. وهذه هي رغبة المسيح في أن يكون كمال الاتّحاد بين التلاميذ، كما هو بين الآب والابن.

أليس دَمُ الفِداءِ واحدًا؟ أليس المعلّمُ واحدًا؟ أليس ماءُ المعموديّةِ واحدًا؟ فالطبيعيّ إذن أن نكون واحدًا، ليس في الشّكل أو الظّاهر، لكن في الفكر والمحبّة القلبيّة، على مثال الوحدانيّة بين الابن والآب، ليس في الجوهر، ولكن في المحبّة قدر ما نستطيع بحسب طبيعتنا البشريّة.

علّمَ المسيحُ تلاميذَه وكنيستَه كلامَ اللهِ الساميَ عن أفكارِ العالم. لذلك يُبغضُ العالمُ كلَّ أولادِ الله المتمسّكين بالحياة الطّاهرة النقيّة، كما أبغضَ المسيحَ مِن قَبْلِهم. حيث أنّ العالم يبغض أولاد الله، فليس الحلّ أن يرفعهم المسيح معه إلى السماء، بل أن يحفظَهم ويقوّيَهم في مواجهة الشرّ والشرّير. ويعطي المسيح تشجيعًا لأولاد الله، إذ يؤكّد نَسَبَهم الروحيّ لله، وليس للعالم.

صعودُ السيّدِ إلى السماء
للقدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم


اليوم، أيّها الإخوة، حانَ الوقتُ لِنُرَدِّدَ بِقَلبٍ مِلْؤُهُ السُّرورُ كَلامَ النبيّ القدّيس: مبارَكٌ أنتَ يا رَبّ. ما وافانا وقتٌ تَوَفَّرَتْ فيه أسبابُ مديحِ السيّدِ مِثلُ اليوم، فلنصرخْ مِن أعماق القلوب: "من يحّدثُ بجبروتِ الربّ ويسمعُ تسبحتَه كلَّها" (مز 105: 2) اليوم يصعدُ إلى السماءِ سيّدُنا يسوع المسيح الذي ندعوه بجسارةٍ مبدأً لحياتنا.

اليوم يأتي الإلهُ الإنسانُ ويُقيمُ سَلاماً تامّاً بين الأرض والسماء: قد تمَّتِ الغَلَبةُ على الجحيم، ووُزِّعَتِ الجوائزُ والأكاليلُ الخالدة. إنّ الفاديَ الإلهيَّ يُقدِّمُ لنا كُلَّ ما ذُكِرَ لِنَقتَسِمَهُ معه. فَلْنَفرحْ ونَبتهِجْ إذا ما رأينا مبدأَ حياتِنا صاعدًا إلى أعلى السماء جالساً عن يمين الله الآب. 

فالحقُّ أيّها الإخوة، إذا كان النبيُّ يطوّبُ أولئك "الذين لهم نارٌ في صهيون وتنوِّرُ في أورشليم" (إشعيا 31: 9)، أَفَلا يليقُ بِنا أكثرَ أن نفرحَ ونبتهجَ إذا ما رأينا أصلَ حياتِنا صاعدًا إلى أعلى السماءِ وجالسًا على عَرشِ المُلْكِ الذي فَقَدْناه نحن المساكين؟ 

إنَّ أسرارَ حكمةِ الله لا تُفَسَّر! لم يُنقِذْنا ابنُ الله من اللعنة والموتِ فحَسْب، بل رفعَنا أيضًا إلى أسمى درجات الاستحقاق. لم يَمضِ وقتٌ طويلٌ إذ كُنّا لا نستحقُّ حتّى الفردوس الأرضيّ. أمّا الآن فقد صِرنا مستحقّينَ الجُلُوسَ في المحلّ الأوّلِ في السماء. لقد مضى زمنٌ كُنّا فيه كَلُعبةٍ في يدَيِ الشيطان. 

أمّا اليومَ فالجنودُ السماويّةُ تَسجدُ أمامَنا باحترام. فما أسعدَ وما أَفْيَدَ حَسَدَكَ لنا أيّها العدوّ! إنّنا مَدِينُونَ لكَ بِخُلُودِنا، لأنّ مصدرَ تعاستِنا أصبح مصدراً لسعادتنا.

إنّ غضبَ الشيطانِ قد ازدادَ الآن. إنّ الخيراتِ الأرضيّةَ التي تمتَّعَ بها أجدادُنا سابقاً قد هاجَتْ فيهِ الحسد، أمّا الآن فغضبُه يَزدادُ أكثرَ لأنّ الطبيعةَ البشريّةَ أصبحت غايةً للسُّجودِ في السماء. 

الخيراتُ التي فقدناها كانت عظيمة جِدًّا، أمّا الّتي حصلْنا عليها فلا توصفُ ولا يُعَبَّرُ عنها. كُنّا لا نستحقُّ حتّى الأرض، أمّا الآن فقد سَمَوْنا إلى السماءِ وجَلَسْنا على عرشِ الآبِ الأزليّ. إنّ الملاكَ الذي أُرسِلَ لِيَطرُدَ الإنسانَ من الفردوس، أخذَ يَسجدُ باحترامٍ أمامَنا. 

لقد كُنّا أبناءَ الغضبِ والكُرهِ في عينَيِ الله، فَصِرْنا نُدعى الآنَ أبناءَ اللهِ لأنّنا سنرثُ الله.

فإذا ما رأينا انعطافَ السيّدِ أيّها الإخوة، يَجبُ علينا أن نشكرَ الله وأن نقضيَ حَياتَنا بالطهارةِ والنَّزاهة. إنّه مجَّدَنا وسَكَبَ علينا رحمتَهُ الوافرة، فَلْنُرْضِهِ بِنَقاوةِ سِيرتِنا وإصلاحِ حياتِنا، لِتُرسَلَ إلينا نعمةُ الروحِ القُدُس، هذه النعمةُ التي لا نُغلَبُ بها، ولا خَطرَ علينا مِن سهام الشيطان وتجاربِه، بل تَمُدُّنا بالقوّةِ لِعَمَلِ الخير والصلاح. 

لنتشدَّدْ بِقُوَّةِ الروح القدس حتّى نصرفَ حياتَنا الحاضرةَ بِنَقاوة، ونستحقَّ نِعَمَ الحياةِ الآتيةِ والملكوت السماويّ، بجوار الذي له، مع الآب والروح القدس، المجدُ والشَّرَفُ والملك والسجود، من الآن والى دهر الداهرين. آمين.